يَصنعُ من بقايا أبواب بيته المدمَّر حطباً ليشعل به ناراً تقي عائلته من شدة البرد القارص، “أبوعبدالله” من سكان مدينة إدلب مثال واحد من بين آلاف السوريين الذين دُمّرت بيوتهم بفعل الحرب.
فقد ذكر اتحاد تنسيقيات الثورة أن قوات النظام شنت عشرات الغارات الانتقامية بالطائرات الحربية و البراميل منذ اللحظات الأولى بعد تحرير إدلب في 28/مارس2015 ، فضلاً عن قصف المدينة بمئات القذائف الصاروخية من المعسكرات القريبة منها، ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من العائلات من المدينة باتجاه القرى و المزارع المجاورة لها، حيث افترش بعضها الأراضي الزراعية، و سكن بعضها المدارس خوفاً من ردة فعل النظام المستقبلية.
خرج “أبوعبدالله” مع عائلته من مدينة إدلب، حاله كحال كل العائلات التي نزحت من المدينة بعد تحريرها، لتهدأ الأوضاع قليلاً ويصبح من الممكن استمرار العيش في المدينة.
ودّع “أبوعبدالله” بمقلتين مدمعتين بيته، و هو يقول لزوجته : “أغلقي الأبواب كلها كي لا يسرق منزلنا أحد”، يطفئ سيجارته بعد نفس عميق، و بيدين مرتجفتين يقفل باب بيته ويستودعه الله، لينطلق مع زوجته و ابنتيه.
لم يخطر في باله أن ذلك اليوم كان الوداع الأخير لبيته، و بقي على أمل العودة إليه إلى أن صفعه ذاك الخبر الذي بعثر آماله، حين نادى “عبدالله” ابنه الكبير بكلمات تخنقه : ” بابا بيتنا انقصف”.
يجتاح “أبوعبدالله” صمت مطبق، وسط حالة من الشرود و نظرات الجمود القاسية، ليمرّ في مخيلته شريط حياته و كل ذكرياته في ذاك المنزل.
وثقت الهيئة العامة للثورة السورية استهداف طيران النظام الحربي في أول جمعة من تحرير إدلب، يوم 3/أبريل2015 عدة مناطق في المدينة بالصواريخ الفراغية، حيث تركز القصف على الجوامع التي كانت رمزاً للثورة و منطلق المظاهرات السلمية في بدايتهاّ، فقد طال القصف الجوي مسجد “سعد بن أبي وقاص” و “أبي ذر الغفاري” و الحسين، و المباني السكنية المحيطة بالمساجد، كما استهدف مبنى الهلال الأحمر، و منطقة دوار الساعة و الأسواق المحيطة بالدوار، ما خلّف دماراً كبيراً في الأبنية، و استشهاد عدد كبير من المدنيين بينهم نساء و أطفال.
حجارة مدمّرة.. شظايا زجاج متناثرة.. أبواب متكسّرة.. هكذا يجد “أبوعبدالله” منزله بعد ذلك الصاروخ الغادر، يقف صامتاً بأنفاس محبوسة، يدير ظهره و بخطوات متثاقلة يغادر ركام المنزل ليواجه مصاعب الحياة.
بدأ حياة جديدة مقيماً مع ابنه الكبير و زوجته في بيتهم، محاولاً التكييف مع المعيشة الصعبة، في ظل انقطاع الكهرباء لفترات طويلة و عدم توفر المياه دائماً، فضلاً عن الغلاء الذي تشهده الأسعار في الأسواق، مما يؤدي لاستحالة تأمين بعض المواد اللازمة، فأسعار المحروقات في السوق باتت غالية جداً، حيث بلغ سعر الليتر الواحد من المازوت أكثر من 200 ليرة سورية، و ليتر البنزين 300 ليرة، و هو سعر مرتفع جداً حيث لا يستطيع المواطن دفع هذا الثمن مقابل الحصول عليه.
استعاض “أبوعبدالله” عن المازوت بالحطب، المادة البديلة للمحروقات والتي اعتمدها الكثير من الناس بسبب أسعار المحروقات الباهظة، فلم يجد سوى تلك القطع الخشبية من ركام منزله، يحرقها لتحرق معها ذكرياته التي لم يبقَ منها سوى هذا الرماد.
كل يوم و معاناة السوريين في ازدياد، فلا تجد بيتا سوريا إلا و قد تأثر سلبا بفعل الحرب، و العالم يشاهد بصمت مطبق، و يتغنى باسمه في المؤتمرات و المفاوضات المزيفة.
ظلال سالم
المركز الصحفي السوري