اعتادت “مها” أن تبدأ يومها بارتشاف القهوة مع جارتيها اللتين تمثلان لها العائلة الثانية، فيجتمعن في جلسة صباحية تشوبها الأحاديث والقصص التي لا تنتهي، فيضحكن تارة ويشعرن بالحزن والأسى تارة أخرى؛ لما آل إليه وضع البلد، ومع ذلك فالبسمة لا تفارق شفاههن ويحاولن في اجتماعاتهن ابتكار أساليب وطرق جديدة للتغلب على الوضع المعيشي السيء والتأقلم معه.
برز إبداع المرأة السورية خلال سنوات الحرب، لتثبت للعالم أجمع أن الطغيان والاستبداد لن يثبط عزيمتها وإصرارها على مواصلة حياتها والحفاظ على عائلتها من الضياع، فكانت ملكة بالتدبير وحسن استغلال كل شيء حتى وإن كان ليس ذو قيمة لإعادة تدويره واستخدامه من جديد، فحياة الحرب جعلت أكثر من 80% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، ومع موجة الغلاء وارتفاع نسبة البطالة وعدم توافر فرص للعمل نظرا لتعرض معظم المنشآت الخدمية والصناعية للدمار، كان لابد من جهود فردية لإعادة إحياء بعض المهن للبحث عن مصادر رزق بديلة تقي شر الحاجة والعوز.
تزوجت مها عقب تحرير مدينة إدلب العام الماضي، لكنها أجبرت على وداع أهلها بعد أن قرر زوجها اللجوء إلى ألمانيا، فعوضها الله بجارتيها لتكونا خير عون لها، فقررن جميعا أن يصنعن من بقايا الشمع الذائبة بعض الأشكال والمجسمات بتعابير مختلفة وطريقة فنية جميلة بقصد ملء وقت الفراغ والاستفادة منها ماديا بعد بيعها.
تشرح لنا مها كيفية صنعها وهي تتنافس مع جارتيها من ستكون قطعتها الأفضل والأجمل:” أوصي كل جيراني وأقربائي أن يحتفظوا لي ببقايا الشمع فكما تعلمون لجأ كثير من الناس لاستخدامه نظرا لانعدام الكهرباء، ومن هنا جاءت الفكرة فأقوم بتذويب الشمع الأبيض وأضعه بكؤوس وأقوم بتلوينه حسب الحاجة بأصبغة اصطناعية وأضيف إليه بضع قطرات من الروائح العطرة لتفوح منه فور إشعالها، وبواسطة بعض الألعاب البلاستيكية القديمة أو عبوات الكولا الفارغة أسكبها داخلها وأعيد تشكيلها وفي بعض الأحيان استخدم المشرط لأحفها بالشكل المطلوب، وأغلفها وأربطها بأشرطة حريرية؛ فتكون بالنهاية قطعة فنية تستحق الاقتناء”.
وتضيف جارتها ضاحكة :” يشتريها منا زوجها ويبيعها في محله التجاري للأدوات المنزلية، إلا أنه يخاوز بيننا ويبيع القطع التي تصنعها زوجته أكثر ..” وتبتسم بحركة نسائية لا تفهمها إلا النساء.
رغم أن زوجها يمتلك محلا لبيع القطع المنزلية وأدوات المطبخ، إلا أن ارتفاع أسعارها وصعوبة تأمينها من مناطق صُنعها في مناطق النظام، جعلت الحركة الشرائية ضعيفة، لكن القطع الشمعية التي تصنعها زوجته تلاقي رواجا عند زبائنه نظرا لشكلها الجميل وسعرها المقبول والحاجة الماسة إليها في كل بيت سوري.
تحولت بيوتهن لمصانع صغيرة، يبدعن وينتجن ويتحدين واقعهن بوسائل بسيطة وبإمكانات متواضعة، فالحياة مستمرة والحرب ستنتهي لامحالة تلك أمنية مها وجميع نساء سوريا، فقد صنعت خارطة سورية باللون الأحمر وكتبت عليها:” سوريا رح ترجعي أحلى ورح تبقي الحضن الدافي ياغالي”.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد