ترتدي معطفها، تُحَضّرُ نفسَها للذّهاب إلى الجامعة. تلتقط من أرض الغرفة كتبَها وحقيبتها. تناديها أّمها لتناولها كوبا من الشاي؛ لتشربه قبل مغادرتها من ذاك الباب المصنوع من قطعة قماش منسدلة، ومُثبّتة من الأعلى بمساميرَ مغروزةٍ في الجدار كمساميرِ الألمِ المغروزةِ في قلبها وجسدها الذي أنهكه المرض.
. ترفع تلك القماشة المنسدلة على مدخل الغرفة. تتناول الكوب من أمها. تمسك كتبها بيد والكوب بيد، كإشارة منها إلى الحاجة إلى التوازن بين الغذاءين معا؛ غذاء العقل والروح، وغذاء الجسد. تشرب الشاي ثمّ تقبّل يد أمّها طالبة رضاها، وتغادر غرفتها الموجودة في مخيمٍ للنازحين، وتّتجه إلى جامعتها.
إسراء، النازحةُ من جبل الزاوية، أصيبت بالسرطان منذ أن كان عمرها 12 عاما، وأصبحت تَرْتادُ المشفى مع أهلها للعلاج باستمرار، ولكنّها تجهل حقيقة مرضها:
“كانت ماما تاخدني، وما قالولي معي مرض سرطان، أنا قريت اللافتات وعرفتْ، وأهلي ظلّوا مخبّين عليّي أربع شهور”.
تقول إسراء هذه الكلمات وهي تحمد الله على المرض وعلى كلّ حال، فهي أولا وأخيرا ستعرف مرضها، وهذا ما قاله الطبيب لأهلها الذي طلب منهم أن يُخبروها به.
تقول إسراء:
” الحمد لله ربّ العالمين، أنا قويّة، وإن شاء الله كل وحدة بتشوف هالشي هذا كمان بتكون قويّة”.
لمْ يقف السرطان عائقا في وجه طموحها وأحلامها، ولم يُثنِها عن مواصلة طريق العلم، استمرّت في دراستها على الرّغم من جميع العمليات التي أجرتها منذ بداية 2012. حصلت على شهادة المرحلة الإعدادية في 2016، ومن ثمّ حصلت على شهادة المرحلة الثانوية في عام 2019، والآن هي طالبة جامعية في السنة الثانية.
لم تستسلم إسراء للمرض الذي سكَنَ جسدها النّحيل سنواتٍ وسنوات، على الرّغم من صعوبة الوضع الذي تعيشه، فوالدُها شرطيٌّ متقاعد ونازح إلى أحد المخيّمات، لايملك أيَّ مصدر للرّزق، وأمّها مريضة.
منذ ال2015 توقّفت إسراء عن أخذ جرعات الكيماوي، ولكنّها الآن تعاني من مرضٍ آخر، تتحدث عنه قائلة:
“رحت عالدّكتور مشان عيوني، قال أنّو فيها مي بيضا وبدّي عملية، وبكرة رح روح آخد موعد العملية، واليوم رحت عالجامعة، اعتذرت من الدّكتور؛ لأنّي ما رح أحسن قدّم حلقة البحث، والحمد لله ربّ العالمين بظل قويّة إن شاء الله”.
ترجع إسراء من جامعتها، حاملةً كتُبَها التي أخذتها معها في الصباح الباكر، تضعهما والحقيبةَ على الأرض التي التقطتهما منها. تخلع معطفها الشتوي، وتضعه في مكانه المخصص له، ثم تقف على باب غرفتها للحظات. ترقب بعينيها أطفالا يلعبون خارج الخيمة، وتتعالى أصوات ضحكاتهم بين تلك الخيام التي تضمّ الكثير من الأحلام والآمال، وكأنّ لسان حالها يقول:
سيبقى الأملُ رغم الألم، وستستمرّ الحياة رغم الصّعاب، وسيظلّ الفرح يبحث عن نافذة ليقرع أبوابنا وأرواحنا يوما ما”.
بقلم : ظلال عبود
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع