في حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، كان كل من في البيت نيام فجأة سمعنا صوتاً، وكأنه قصفٌ، رُجّت الأبواب والجدران، وكأن زلزالاً ضرب الحي، بعد دقائق… بدأت رائحة الموت الصامت بالتمدد ، ومن دون صراخٍ أو عويل، بدأت الأرواح تصعد إلى بارئها بصمتٍ.
نهضتُ من سريري مسرعاً، كنت في الطابق الثاني نزلت الى الأسفل، وجدت إخوتي قد فارقوا الحياة، كان الزبد يخرج من أفواههم ، وبعضٌ من قطرات الدم،ثم شعرت بدوارٍ وغثيان، صعدت بصعوبة إلى الطابق العلوي، لأستنشق بعض الأوكسجين، لكني فقدت الوعي على الدرج.
بعد دقائق صحوت، لأرى حولي ضوضاء، أناسٌ هائمون على وجوههم، أحسست بثقلٍ في رأسي، وصداعٍ شديد يرافقه رغبة بالاستفراغ، حاولت فرك عيني لكن لم أستطع أغلقتهما، وعندما فتحتهما مجدداً، وجدت نفسي على سريرٍ، وهناك من يرشني بلماء، ويصفعني بكل قوة لكي أصحو ، سألتهم:
_ هل أنا ميت!
– أين انا؟
لم يجبني أحد، لأنني لم أنطق أصلاً، لقد كنت أتكلم من داخلي، فلا قدرة لي على النطق، ولكني عدت للشعور بالرغبة بالنوم، النوم الأبدي…تمايل رأسي ثم استقر على إحدى الجهات، بينما تحولت عيناي للبياض، كانت الحدقة ترتفع لوحدها للأعلى، لا أدرى لماذا!!!
أحسست أن شيء ما يشدني للموت، وأنا أقاوم، سمعت بعض الاصوات وأنا أكابد الألم.
قال– (دكتور …..الناس نزلت ع الأقبية، لما سمعوا صوت القصف، وهالشي زاد عدد الشهداء)
رد بعصبية – أحضروا المزيد من الماء، رشوا الجميع بالماء، إنه السارين الخبيث..
لم أفهم شيء مما سمعت، ولا حتى كلمة “سارين” كانت المرة الأولى التي أسمع بها.
بعد ذلك سمعتهم يقولون
–هذا ميتٌ، أعطوا السرير لغيره.
ثم أنزلوني على الأرض ، وعلى الأرض بدأت أشاهد، وأفهم ماحصل، أطفالٌ ونساءٌ، وشبّان…يتحركون بطريقة هستيرية، رأيت وجوهاً صفراء، ميتة، وجوة بأفواه يملأها الزبد، تذكرت عائلتي، حاولت أن أتحرك أو أنطق بكلمة، أريد أن أخبرهم أنني حي لكني مشلول لا أستطيع حتى الكلام، جاء الطبيب وفتح عيني نظر بسرعة وقال
– لا يزال على قيد الحياة
ارتحت قليلا لتلك الجملة، ربما اعتقدت أنهم قد يدفنوني حياً، دون أن يعلم بي أحد.. أحس أسمع أرى ولكني عاجز عن أي حركة، ولا حتى تحريك إصبع يدي.
بعد ساعاتٍ من ذلك النهار الطويل، في شهر آب من عام ٢٠١٣ علمت أننا تعرضنا لهجومٍ كيميائيٍ بغاز السارين، من قبل النظام الغاشم .
بعد أيامٍ من الهجوم، صحوت وبتّ قادراً على الكلام بصعوبة، ولكنني أصبت بشللٍ نصفي، وفقدت كل أسرتي.. أبي وأمي وأختي وأخي.
قالها “سعيد” والدمع يغمر عينيه الحزينتين، الشاب الجميل الذي لم يكمل السابعة عشرة من عمره.
كان ذلك ملخص لقائنا مع سعيد شيباني، في سردٍ مرعبٍ مؤلم، لواحدةٍ من آلاف حالات الإجرام التي عاشها السوريون أثناء تعرضهم للكيماوي .
سعيد ..ابن دوما، تكلم لنا بحرقة عن تلك اللحظات أثناء مجزرة الكيماوي الشهيرة، تلك المجزرة المتوحشة التي هزّت الضمير الإنساني، المجزرة التي خلفت ألفاً وخمسمئة شهيدٍ، خلال خمس دقائق فقط، وآلاف المصابين أمثال سعيد.
لقد اجتمع العالم كله على الشعب السوري الأعزل ، وما حصل بعد المجزرة من سكوت للعالم وللأمم المتحدة هو خير دليل على ذلك ف أوباما الرئيس الأمريكي، فضل نزع السكين من يد القاتل بدل معاقبته، نعم قالوا للأسد سلمنا ترسانتك من الكيماوي، حتى نؤمن ونحمي عرشك وسوف نتركك تتابع القتل دون أي إزعاج بعد أن أزبد وأرعد بخطوطه الحمراء ، ربّت على ظهر السفاح وقال له
– انت حر طليق، فقد سلمتنا الكيماوي…
ضياء عسود