بعد القصف الممنهج و الإبادة الجماعية التي تتعرض لها المدن السورية كافة، و سقوط الشهيد تلو الآخر و كثرة المصابين الذين يبقون تحت الأنقاض حتى يلقوا حتفهم، قام الشعب السوري في المناطق المحررة بتشكيل فرق الدفاع المدني وذلك لمساعدة المدنيين العالقين تحت الأنقاض.
“سامر” شاب سوري من مدينة ادلب، استهدفت طائرات النظام المروحية منزله في المدينة ببرميل متفجر، ما أدى إلى هدم بيته بالكامل و استشهاد عائلته حيث يقول عن الحادثة: ” كنا نائمين في منزلنا الواقع وسط المدينة لنسمع بعدها صوت الطائرة المروحية في السماء بعد منتصف الليل، تلاها بعد ذلك صوت برميل الحقد و هو يهوي فوق رؤوسنا ليكون الهدف منزلنا، بعد ذلك لم أر شيئاً أمامي أزحت الصخور بصعوبة عن الغطاء الذي كان فوقي لأبحث عن أمي و أبي و إخوتي لأجدهم عالقين تحت سقف المنزل، بذلت قصارى جهدي مع جيراني الذين أتوا لمساعدتي إلا أننا لم نستطع إزاحة السقف، لتلفظ عائلتي أنفاسها الأخيرة أمام أعيني “.
من هنا أدرك سامر و غيره من الشباب الذين ذاقوا لوعة القصف و الدمار، أنهم هم فقط من يستطيعون إنقاذ ما تبقى من المواطنين، فعمدوا إلى تشكيل فرق بسيطة ضمت أهالي الحي ممن تطوعوا، ليكونوا دائماً على أهبة الاستعداد في حال أي ظرف طارئ .
كان الشعب السوري في بداية الحراك الثوري لا يدرك بعد أهمية هذه الفرق، إلا أنه و بعد القصف الشرس الذي بدأ من قبل قوات النظام على مناطق المدنيين، لم يعد بالإمكان تجاهل الحاجة الإنسانية الماسة لتشكيل فريق دفاع مدني ليساهم في رفع الأنقاض عن العالقين و انتشال الجثث، فعمد أبناء مدن الحراك الثوري إلى التطوع و تشكيل تلك الفرق للمساهمة في إنقاذ المواطنين قدر المستطاع .
عمل رجال ” القبعات البيضاء ” في بداية الأمر بمعدات بسيطة جداً، فبدؤوا يلاقون عدة صعوبات في رفع الأنقاض و انتشال الجثث، إلا أنه بعد ذلك و بعد تشكيل الجهاز بزمن، تم تزويد الفرق ببعض المعدات الثقيلة التي ساهمت قدر الإمكان بمساعدة رجال الدفاع المدني في عملهم .
أوضح عدي قائد إحدى فرق الدفاع المدني المشكلة في مدينة ادلب بعد التحرير:” إنه لا يمكن لأي دفاع مدني في مختلف بقاع الأرض أن ينكر السلاح الوحشي الذي يستخدم في قصف المدن، خاصة بعد استخدام الألغام البحرية و صواريخ الأرض أرض ، لما يحدثه من دمار هائل في مكان سقوطه ”
كما أشار أيضاً إلى أن أهم الصعوبات التي تعترض عمل الدفاع المدني هي كثافة القصف و النقص في المعدات الحديثة التي تسهل في عمل الدفاع المدني .
لم تسلم فرق الدفاع المدني أيضاً من غدر طائرات النظام، حيث قام الطيران الحربي باستهداف مقراتهم مرات عديدة موقعين العديد من الضحايا في صفوفهم غير مهتمين بالعمل الإنساني الذي يقدمه أولئك الرجال في سبيل إنقاذ أكبر عدد ممكن من المواطنين، بل على العكس تماماً يقوم النظام بقصف المدن بوحشية بدون اهتمام إلى الهدف الذي يقصفه، و لطالما كرر القصف على نفس النقطة مرتين متتاليتين ليحصد أكبر عدد ممكن من الأرواح بين المدنيين و الدفاع المدني، فكل ما يهمه هو أن تلك المدن المنتفضة ما هي إلا حاضنة للمسلحين و كل من فيها هو إرهابي بصرف النظر عن طبيعة عمله سواءً أكان إنسانياً أو غير ذلك .
حتى الطيران الروسي الشريك في سفك دماء السوريين شارك أيضاً في استهداف فرق الدفاع المدني، فقام بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر من عام 2015، إذ جاءت فرق الدفاع المدني بعد الغارة مباشرةً لإخلاء المصابين و انتشال الضحايا و رفع الأنقاض، إلا أن الطيران الروسي عاد لنفس موقع الغارة ليستهدف رجال الدفاع المدني موقعاً شهيداً منهم و عدداً من الإصابات في صفوفهم، ليرتقي في ذلك اليوم ما يقارب الـ 100 شهيد و مئات الجرحى في صفوف المدنيين.
لا يستطيع أحد على الأراضي السورية المحررة إنكار ما يقدمه رجال القبعات البيضاء، الأبطال المجهولون الذين يقدمون الغالي و الرخيص و يضعون أرواحهم على أكفهم في سبيل إنقاذ حياة المواطنين و تأمينهم في مدنهم .
المركز الصحفي السوري – محمد تاج