مقال لجوناثان أدلمان، أستاذ في مدرسة جوزيف كوربل للدراسات الدولية بجامعة دنفر الأمريكية.. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
(CNN) قلب تحرك روسيا العسكري الجريء ولكن المحدود داخل سوريا، استراتيجية الولايات المتحدة وحلفائها، والذين كان رد فعلهم هو التخطيط لحشد جنود أمريكيين في الأراضي السورية.
وأعلن البيت الأبيض الجمعة، إنه سيرسل “أقل من 50” وحدة من قوات العمليات الخاصة إلى شمال سوريا، لتقديم الدعم اللوجستي للقوات الكردية والعربية المحلية التي تقاتل تنظيم داعش الإرهابي.
تأتي هذه الخطوة بعد قرار روسيا الشهر الماضي بالانضمام إلى الصراع في سوريا.. وسُخِر من هذا الإعلان على نطاق واسع في الغرب، إذ نبذ الكثير مرارا وتكرارا “رجولة” الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.. ولكن الحقيقة هي أن هذه الانتقادات فشلت في حسبان النجاحات التي حققها فريق بوتين ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وهو نجاح أبرزه إجبار موسكو لأوباما بأخذ خطوات عسكرية فعلية في سوريا.
إذ يشعر العديد من الروس بأن أكبر كارثة في القرن العشرين لم تكن الحرب الوطنية العظمى، التي راح ضحيتها نحو 27 مليون روسي قبل عام 1945، ولكنها كانت فعليا تفكك الاتحاد السوفييتي، وهي النقطة التي تحدث عنها بوتين عام 2005، عندما أعرب عن أسفه لتلك “الكارثة الجيوسياسية الجوهرية للقرن.”
ومنذ ذلك الحين، استعاد بوتين القومي المحافظ، أراضي جوزيف ستالين وأجزاء أخرى من الضفة اليسرى من أوكرانيا، التي كانت تحت السيطرة الروسية لأكثر من 300 سنة.. كما استولى بوتين على شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها كاترين العظمى في 1783 وحيث أسست قاعدة بحرية جديدة.
ورغم أنه أدين في الخارج، كافأه شعبه مع ما يقرب من 90 في المائة من الروسيين مؤيدين له حسب استطلاعات الرأي.
والآن، تحركت حكومة بوتين من توفير شحنات الأسلحة الضخمة لنظام بشار الأسد “الخائب”، إلى اتخاذ خطوات جريئة على الأرض وفي الجو.
وما زاد من جرأة روسيا، هو أن وقت أوباما كرئيس الولايات المتحدة بدأ ينفذ، ولذلك تزعم روسيا (زوراً) أن تدخلها يستهدف داعش بدلاً من المتمردين العلمانيين المعتدلين.. ورغم أن بعض التقديرات تضع عدد المجندين الروس في سوريا ما يقرب من ألفي شخص، وبضع عشرات من الطائرات، إلا أن ذلك بالإضافة إلى صواريخ “كروز” بعيدة المدى، يعني أن باستطاعة بوتين إبراز القوة والسلطة، بالتزامن مع تخفيض احتمال الخسائر.
وكل هذا هو لدعم مشاريع موسكو نفسها كحليف حاسم وموثوق به للشركاء في المنطقة، وذلك مفهوم ضمنا بأنه على النقيض من موقف الولايات المتحدة.
وصحيح أن محادثات هذا الأسبوع بين القوات الموالية والمناهضة للحكومة السورية وافقت على ضرورة إطلاق عملية سياسية “غير طائفية وشاملة وذات مصداقية”، ولكن من خلال التدخل بالقوة، تُبقي روسيا خياراتها مفتوحة، إما أن تحافظ على الأسد في مكانه، أو التخلص منه إذا ناسبها ذلك.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن روسيا لديها استراتيجية متأنية لمواجهة إيران، فمن خلال تسليح الإيرانيين والحفاظ على العلويين في سوريا والشيعة في العراق – بما في ذلك الإعلان عن اتفاق رباعي لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين العراق وإيران وروسيا وسوريا – تصطف موسكو مع النظام الأصولي الإسلامي، الذي يُرجّح أن يزداد نفوذه في المنطقة.
لكن روسيا انهت صفقة بيع أسلحة تساوي مليارات الدولارات مع مصر، وباعت المفاعلات النووية للأردن ومصر، وقد تتعاون مع المملكة العربية السعودية لبناء 16 مفاعل.. وبحلول نهاية عام 2015، سيزور موسكو ستة ملوك دول عربية سنية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان، وولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد يكون هدف روسيا أيضا محاولة الوصول إلى حل أو تحقيق “النصر” في سوريا، قبل التمحور لممارسة نفوذها في أماكن أخرى في المنطقة.. ومن خلال محاربة داعش، تعرض روسيا قدرتها على مواجهة المتطرفين السنّة وجهاً لوجه، وملء الفراغ الذي خلقه تراجع أمريكا.
وقد يضع بوتين في اعتباره درساً وضحه الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الذي قال: “عندما يرى الناس حصاناً قوياً وحصاناً ضعيفاً، بالفطرة يحبون الحصان القوي.”
وكل هذا يشير إلى أنه حتى إذا سعت الولايات المتحدة للانسحاب من الشرق الأوسط، ستحاول روسيا أن تجعل من نفسها لاعبة رئيسية.. ويُبرز هذا التحول في نفوذ روسيا، تراجع أوباما من وضع القوات الأمريكية على الأراضي السورية، وهي الخطوة التي يبدو أنها كانت رداً مباشراً على المناورة الروسية في المقام الأول.
قد يكون المنتقدون الذين يقولون إن بوتين يرتكب خطأ كبيراً بانخراطه في سوريا على صواب، ولكن في المقابل، فإن روسيا قد تنجح حقاً.