ما أصعب أن يبذل الإنسان كلّ ما يستطيع ويدفع كلّ ما يملك، وربّما يستدين أيضًا، من أجل أن يغادر وطنه الذي ولد فيه بحثًا عن الأمان والدفء في وطن آخر.
“زكريا” شابّ في مقتبل العمر لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره، ترك أهله وغادر وطنه الذي كان من المفترض أن يكون الحضن الدافئ الذي ترعرع فيه، في سبيل البحث عن حياة كريمة.
“إلّا أنّ الهجرة ليست بالأمر السّهل، وليس كلّ من يقول سأهاجر تفتتح أمامه الطرق والسبل والحدود، فلا بدّ من المجازفة والمرور بالعديد من المخاطر”، يقول زكريا.
اضغط لمشاهدة فلم قصير حول سرقة أملاك أهل حلب
يتحدّث زكريا عن تجربته التي لم تفلح لسوء حظّه ويحدّثنا عن المخاطر التي مرّ بها وعن عديمي الإنسانية “المهرّبين” الذين ينظرون إلى الإنسان كحفنة من الدولارات لا أكثر.
“كانت أرواحنا مليئة بالأمل، إلّا أن ما حدث معنا كانّ أشدّ قوّة وجبروتًا من أملنا وشغفنا فقد رأينا الموت بأمّ أعيننا وقيل لنا بعد أن عدنا أدراجنا أنّ شابًا ممن كانوا معنا قد توفي”.
وصلنا إلى الحدود اليونانية وكنّا نرى أنّ القليل قد بقي لننعم بحياة أفضل وبدأنا نخطط كيف سنبدأ حياتنا هناك وكيف سنرسل لأهالينا المال تعويضًا عمّا بذلوه من أجلنا من جهد وتعب.
لمتابعة آخر الأخبار اضغط هنا
يكمل زكريا والحرقة تأكل صوته شيئًا فشيئًا حتى كاد يختفي، بعد أن اجتزنا الحدود اليونانية ووصلنا إلى قرية صغيرة في اليونان تدعى “بتراديس” إلّا أنّنا وجدنا عددًا من الجنود اليونانيين بانتظارنا فيها.
أجبرنا الجنود اليونانيون على العودة أدراجنا، وحاولنا الهروب منهم لكن دون جدوى ، فالشرّ بدا في عيونهم كوحش مفترس ينتظر فريسته للانقضاض عليها.
دفعوا بنا باتجاه نهر ميرتش وأجبرونا على دخوله رغم رجائنا الشديد لهم ولا سيّما أنّ معظمنا ليس ضليعًا بالسباحة.
شاهد كيف ينتهك النّظام ممتلكات المدنيين في حيّ الحيدرية بحلب
دخلنا النهر وقد دخل الإحباط قلوبنا وملأ اليأس صدورنا وتوسّعت حدقات عيوننا ليسود ظلام القهر وبؤس الحياة وكأنّ شبح الموت يربت على كلّ منّا ويتفحّصه ليختار أيّا منّا سيأخذه معه.
يكمل زكريا وقد نفض بؤس الحياة عن روحه بتنهيدة ملأتها رعشة الذكريات الأليمة، جاءنا من بعيد زورق لخفر السواحل التركية حيث بدأ الجنود الأتراك بسحبنا إلى الزورق ونقلنا إلى اليابسة، وقد سمعت من بعض أصحابي أنّ أحد أفراد المجموعة واسمه حسّان قد توفّي غرقّا أو بردًا، فليس مهمّ ما هو سبب الوفاة فقد تعددت الأسباب والموت واحد.
محمد المعري
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع