يَتِمُ تجاهل الإحصاءات مهما كانت مذهلة؛ حيث إن احتمال تعرض الأمريكيين للموت في منازلهم هو نفس احتمال تعرضهم للقتل من قبل الإرهابيين، بالإضافة إلى ذلك تتسبب الأمراض غير المعدية، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان ومرض السكري، في وفاة أمريكيين أكثر بكثير مما يسببه الإرهاب، كما أن العنف المسلح في أمريكا يحصد أرواح المئات أو الآلاف أكثر مما تسببه هجمات المتطرفين على الأراضي الأمريكية.
بعد حادثة إطلاق النار الجماعية عام 2015، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، متحسرا على عدم اتخاذ الحكومة إجراءات كفيلة بمعالجة معضلة العنف المسلح الأكثر فتكا، “أنفقنا أكثر من تريليون دولار على قوانين لا تحصى ولا تعد، وكَرَّسنا جهود وكالات بأكملها لمنع وقوع هجمات إرهابية على أراضينا”.
كانت تلك حالة نادرة من زعيم سياسي يسعى إلى وضع التهديد الإرهابي في منظور صحيح، وكما قال صحفي مجلة فورن بوليسي، ماغزين ديفيد روثكوبف، خلال جلسة حول الأمن القومي في مهرجان أسبن للأفكار الذي استضافه معهد أسبن للدراسات الإنسانية بمشاركة مجلة ذي أتلنتك، “عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن، هناك أشياء يجب قولها ولا يمكن قولها في العلن”. وأضاف “إذا قال سياسي إن الإرهاب ليس بمشكلة كبيرة، لكان بإمكانهم تجاوزه”.
وقال روثكوبف أيضا: “كان علينا في كل مرة أن ندع الحقائق توجه مخاوفنا”، “فعندما تنظر إلى أكبر 10 مخاوف للشعب الأمريكي، فإنك تجد أشياء مثل ‘كيفية التحدث أمام جَمْعٍ من الناس’ و’السفر’ وأشياء أخرى ليس لها علاقة بالقتل”.
وقد سأل روثكوبف جين هول لوت، نائبة الأمين العام السابق بوزارة الأمن الداخلي: “نحن نُركز على الأشرار؟ هل هذا الصحيح؟… أم تُوَجِهنا عناوين الصحف؟”.
وكان جوابها: “أعتقد أن عقلية الأمن القومي تُهَيمن علينا كثيرا”، “وأعتقد أننا بحاجة إلى أن نفهم الفرق بين التعامل مع هذه القضايا بعقلية الأمن القومي بدلا من عقلية الأمن الداخلي؛ فالأمن القومي هو إستراتيجي ومركزي وتتحكم فيه السلطة العليا، أما بالنسبة إلى الأمن الداخلي، فهو ليس مركزيا، وتتحكم فيه الولايات والمحليات في هذا البلد”.
وأجابت لوت عن سؤال “ما هي نظريتنا في هذه القضية لمدة 12 أو 15 عاما بعد 11 سبتمبر/ أيلول” بالقول: “نظريتنا هي أن الأشرار هم في مكان ما هناك، وهم يحاولون المجيء إلى هنا… من ثم كيف يمكننا التعامل مع ذلك؟ يجب علينا العثور عليهم في الخارج وإيقافهم، بالمعنى العسكري، نحن نملك ثلاث أدوات: الاستخبارات القوية والجيش الأفضل في العالم وشراكة أمنية مع حلف شمال الأطلسي ومع دول أخرى على أساس ثنائي”.
وأضافت “هذا أمر رائع”، “ماذا لو كان الأشرار هنا؟ ماذا لو أنهم بالفعل هنا؟ ما كان لضربة إرهابية أن تنجح في هذا البلد لو لم يكن هناك بالفعل دعم للجماعة الإرهابية؟ ما هي قدرة الاستخبارات على خدمتنا؟ وهل الجيش منتشر محليا؟ وهل هو الشيء نفسه عند البريطانيين وحلف الناتو؟
لذلك نحن بحاجة إلى التفكير في الأسئلة التي طرحتها… من وجهة نظر الأمن القومي”.
قال فولفجانج إيشنجر، وهو دبلوماسي ألماني سابق ورئيس مؤتمر ميونيخ للأمن: “نحن نعرف أنهم هنا، في أوروبا”، وأضاف “إنه من الأسهل بكثير للإرهابيين أن يأتوا إلى بلداننا لأنه من الصعب علينا عمليا، السيطرة تماما على الحدود المشتركة، لكن هي أسهل قليلا بالنسبة للولايات المتحدة مع جارين فقط إلى جانب وجود البحر من الجانبين”.
واقترح إيشنجر إنشاء منظمة مماثلة لمكتب التحقيقات الفيديرالي (الإف بي آي) في الاتحاد الأوروبي للمساعدة في تنسيق جهود الاستخبارات والأمن الوطني “ليصبح بالإمكان مطاردة إرهابي من صقلية إلى النرويج”.
هناك دعوات لإعادة توجيه مكافحة الإرهاب المعاصر نحو التهديدات الإرهابية المحلية ورفض المنطق الذي ألهم دونالد ترامب لمنع هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة، على الرغم من أن المواطنين البلجيكيين والفرنسيين هم الذين قاموا بالهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس وبروكسل، وكان مواطنون أمريكيون أيضا وراء المذبحة في سان برناردينو وأورلاندو، بالإضافة إلى مشاركة مواطني الولايات المتحدة في 80 بالمائة من قضايا الإرهاب الأمريكي بعد ضربات 11 سبتمبر/ أيلول.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل تركز الحكومات الأمريكية والأوروبية بشكل مفرط على التهديد الحقيقي للإرهاب، وتهمل التهديدات الأخطر؟
ذي أتلنتك – التقرير