“ياسمين” .. شابة في عقدها الثالث، عاشت أيام الحصار في حي بابا عمرو في مدينة حمص، قبل أن تخرج منه بعد معاناة ومرارة، حيث تروي حكايات لا تصدق، وآلاماً عاشتها في منزلها الصغير هناك .
” أحسسنا أنها القيامة، وأن الحياة انتهت عند ذلك القدر من القهر، لا أكاد أصدق أنني أعيش لهذه اللحظة، وأنني ما زلت على قيد الحياة، وكلما تذكرت أصوات الصواريخ وهي تنهال علينا، يبدأ جسمي بالارتجاف والقشعريرة.
استمر حصار مدينة حمص 3 سنوات، لم يكن الحصار صعباً في البداية، فكنا نستطيع تأمين الأدوية والأغذية اللازمة للعيش، لكن نهاية أيام حصار بابا عمرو الاخيرة، كانت الأصعب والأقسى، ففي آخر الأيام وصلنا حد الاختناق .
تعود ياسمين بالذاكرة قليلاً، ويداها ترتجفان وعيناها المحمرة تذرف الدموع كلون الدماء، ” نعد أرقام الصواريخ التي تنهال فوق رؤوسنا، ولا ندري أيها سيكون سبباً في موتنا، فمئات الصواريخ تنزل بحقدٍ بغيض، ولم يبقَ صاروخٌ أو سلاحٌ محرمٌ إلا وانهال فوقنا، حتى بدأوا استهداف الحي بصواريخ “السكود” ذات الحجم الهائل والقوة التدميرية الكبيرة.
لطالما دفنا موتانا في الليل لكثرة القصف، فقدت معظم عائلتي، أخوتي وأعمامي وأولاد العمومة، لم نعد نعرف كيف نواسي آلامنا الفائتة ونتلقى الصدمات المقبلة، فالحصار والقصف مستمر والجوع يفتك بالحيّ المحاصر، فالمؤونة تنفذ والمخزون ينضب”،
“طالت أيام الحصار، كانت من أصعب السنوات وأقساها مرارة وألماً، لا يوجد شيء نأكله، كنا نقتات الحشائش وأوراق الشجر، عسى نستطيع المقاومة قليلاً.
أطفال بلا حليب، ومصابونَ بدون علاج، كانت المشافي الميدانية تفتقر للأدوية والأجهزة الطبية، حيث اقتصرت على الأدوية الإسعافية والمعقمات حتى أن أكفانَ الشهداء لم تعد موجودة…”.
استمر حصار قوات النظام للحي قرابة 25 يوماً، لم يكد يمضي يوم بدون مجازر في حق المدنيين، وبعد معارك دامية، سيطرت قوات النظام على الحي، لتبدأ حملةَ الاعتقالات والانتقام من المدنيين العزل وعمليات الانتقام وصلت لذبح أكثر من عشرين شاباً بالسكاكين، كانت أعمال الانتقام قاسية جداً وحاقدة، ومن استطاع الهرب من المدينة اكتسب حياةً جديدة وعمراً آخر.
بقلم : ريم مصطفى