تعددت صور النهايات المؤلمة في تلك الحرب المشؤومة, فلا تكاد تسلم عائلة سورية من آلام خلفتها تلك الحرب, إما بقصف أو اعتقال أو استشهاد وما تبعها من نزوح وتهجير وغيره.
غير أن هناك من كان وقع تلك الحوادث عليه أشد ألما, لأن خنجر الغدر طعنه من أقرب الناس إليه, هذا ماحدث مع حسام الشاب الثلاثيني, من أبناء إدلب, متزوج ولديه أربعة أولاد, كان يعمل خياطا في مدينة حلب, أجبره اشتداد القبضة الأمنية إلى الخروج منها, قاصدا قريته في ريف إدلب, لكن ضغط زوجته التي لم تكن راضية بظروف الواقع دفعه إلى الهجرة إلى تركيا مع عائلته.
كانت حياة حسام مليئة بالمشاكل,بين ظروف معيشية قاسية, وبعد عن الأهل والوطن, ومشاكل مستمرة مع زوجته التي كانت دائمة الشكوى وعدم الرضا عن وضعهم, فلا يكاد يمر يوم بدون مشكلة بينها وبين زوجها تصل أحيانا لتدخل جيرانهم السوريين لفض الخلاف بينهما ومصالحتهما.
ظل حسام ثلاثة أعوام على هذا الحال يعاني ويحتمل سوء طباع زوجته القاسية, جل همه أن لا يفقد اولاده جو العائلة واستقرارها.
إلا أنّ آخر خلاف وقع بينهما قصم ظهره ودمر حياته, فقد انتظرت زوجته ذهابه إلى العمل لتأخذ أولادها إلى مبنى أمنيات أسطنبول طالبة منهم إعادتها إلى سوريا بشكل طوعي, عاد هشام إلى منزله ليلا فلم يجد زوجته وأبناءه, اتصل بزوجته مرارا فلم ترد عليه, لم يخطر بباله على الإطلاق أن تكون في طريقها إلى المعبر, فقدكانت سابقا تذهب إلى إحدى صديقاتها، حين يتأزم الخلاف بينهما.
رن هاتفه ظهيرة اليوم التالي ليرد وتخبره زوجته أنها دخلت الحدود السورية بعد أن قامت بتسليم بطاقات الحماية المؤقتة خاصتها وأبناءها, وهي في طريقها إلى حلب, قائلة “إذا بدك أولادك تعال لعندهم ع حلب”.
لم يصدق ماقالت في بداية الأمر, هل يمكن أن يقودها لؤمها إلى هذا الحد من الانتقام, حاول الاتصال بها يرجوها أن لا تذهب إلى مناطق سيطرة النظام, إلا أنها أخذت قرارها وبدأت بتنفيذه, لتستقل الحافلة متجهة إلى حلب حيث يقطن أهلها, رغم كل مجاولات أهل زوجها إقناعها بالمجيء إلى إدلب حيث هم يسكنون.
يروي عاصم أخو حسام, الذي كان يسكن مع أخيه بعد أن تركته زوجته, وساءت حالته النفسية شوقا لأطفاله, فقد كان شديد التعلق بهم, “كان حسام متعلق باولاده كتير.. دايما حاطط صورن عالجوال وعم يبكي.. صار يدخن بشكل هستيري وساءت صحته النفسية والجسدية.. حتى شغله بطل يروح عليه ”
يكمل عاصم حديثه عن حال أخيه والغصة تخنق روحه, والنقمة مما فعلته زوجة أخيه تشع من عينيه كشرر متطاير: “رغم كل محاولات منعه قرر حسام يروح عند أولاده.. يرجع ع مناطق النظام وقبضته الأمنية.. كان كل حلمه يلتقي بأولاده يضمهم ويموت بعدها مو فارقة معه.. وصار اللي بدها ياه زوجته”
كان ذلك قبل شهرين, حين ودع حسام أخاه.. وعاد إلى سوريا .. مر على أهله في إدلب أقام عندهم عدة أيام ثم ودعهم قاصدا حلب عن طريق مهرب قال أنه ثقة سيوصله حيث يسكن أولاده دون أن يمروا على أي حاجز أمني.. فالطرق إلى
مناطق سيطرة النظام مغلقة, ولاسبيل إلى الوصول إلا بالتهريب.
يقول عاصم بكلمات يملؤها القهر والألم: “كان هاليوم آخر يوم الو.. ودع أمه وقلا يوم لاتزعلي مني الضنا غالي.. حياتي مالا طعم بدون أولادي.. عبحلم بلحظة اللي ضمهم فيها وطفي نار أشواقي…
بس ماوصل حسام عند أولاده ولا ضمهم,, مسكتهم دورية للنظام وساقتهم ع فرع الأمن.. بعد أسبوعين اتصلوا بزوجته
وسلموها جثته للدفن ووقوعها ع ورقة تثبت أنه مات بسكتة قلبية”
مات حسام ومات حلمه معه.. بضم أطفاله إلى صدره.. دفع حياته ثمنا لرؤية أطفاله.. فما رآهم ولا أطفأ نيران شوقه إليهم.. فوحشية النظام كانت أسرع وأطفأت نور عينيه.
قصة خبرية / إيمان هاشم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع