زهراء فتاة جميلة المظهر، أنيقة الشكل رغم تمزق ثيابها، أَنفها دقيق صغير، وشَعْرهَا يَنْسدل فوق كتفيها، عينَاها لوزيتَان، صوتها عذبٌ شذيًّ كزقزقة العصافير، لكن حرمانها التعلم أفقدها البسمة الحقيقية، سألتها عن حلمها مستقبلاً والذي ظننته سيكون منزلاً ذو جدران أقل ما يمكن!! فكان جوابها ” أريد خيمة لأتعلم الحروف، وأصبح معلمة” .
يتكلم ” أبو حسان محمد نور ” مدير مخيم النور في بلدة كللي شمال إدلب ” بدأت رحلة نزوحنا من مدينة صوران، ثمّ إلى ريف معرة النعمان لنستقر هنا في هذا المخيم البعيد عن البلدة فعندما نحتاج شيئاً ما، نذهب إلى مركز البلدة، في الماضي ربينا الأغنام وعشنا من خيراتها لكن اليوم فقدنا أدنى مقومات الحياة، فطول هذه المدة لم يخدّم مخيمنا بمدرسة لتعليم أطفالنا، فتجاوز عمر معظمهم العشر سنين وليس لديهم القدرة على كتابة الأحرف أو قراءتها.
لدينا أكثر من خمسين طفلاً، تركوا مقاعد دراستهم نتيجة تنقلات نزوحهم، والخوف عند الأهالي من القصف من جهة ومن حالات الخطف من جهة أخرى، فاتجهوا للعمل في المزارع المجاورة، وكسب لقمة يومهم.
فيما تتحدث السيدة ” آمنة ” أتمنى أن ينال صغارنا حقهم من التعليم وأنا أتكفل بإعطائهم ما أستطيع من معلوماتي، فقد درّست الصف التاسع وباستطاعتي تعليمهم لكن العائق أمامنا ضيق المكان فليس لدينا أي خيمة لنجعلها مدرسةً لهم، إلا أن المخيمات الأخرى خُدمت بخيم خاصة للتعليم وغيره.
يقول أبو النور ” حاولت بشتّى الوسائل إنقاذ الصغار من الجهل المحكم، فليس ذنبهم البقاء جاهلين دون تعلم.
وبعد مرور فترة من الزمن، أعدت زيارتي إلى مخيم النور، لأجده يشع نوراً والفرح يرتسم على وجوه الصغار، فالطفلة “زهراء ” التي حدثتني في المرة الماضية قائلةً “خالتو أنا ما بهمني لا إذا بردت ولا إذا شوبت بس بهمني يصير عنا مدرسة، أدرس وأتعلم ” .
أقبلت نحوي ممسكة بيدي وترفعها لتشير نحو خيمتين جديدتين، فأفرحتني بخبر بناء خيمتين من إحدى الفرق التطوعية وتقديم المقاعد المزينة، وألواح الكتابة والقرطاسية كاملة.
أسعد الله من أسعدك صغيرتي، فلو رأت الحرب تلك الابتسامة البريئة، لأعلنت السلام.
بقلم : سهير إسماعيل