تحولت الجامعة اللبنانية في الأسبوع الماضي إلى موقع صغير لتخليد قاسم سليماني. علقت صوره في الأروقة، أما الطلاب المؤيدون لحزب الله والأعضاء في المنظمة فقد أشرفوا على التجمع لأحياء الذكرى، وأُشعلت الشموع في ذكرى الفقيد، وكل من تجرأ على انتقاد تحويل الجامعة إلى “مدرسة شيعية” نال شتائم من المخلصين لسليماني. وإلى جانب الجامعة اللبنانية ثمة تجمعات رفعت فيها أعلام إيران إلى جانب صور خامنئي وسليماني، مثل الطريق الرئيس المؤدي إلى المطار والشوارع الرئيسية. وحسب أقوال مواطنين لبنانيين أجرت معهم وسائل الإعلام المقابلات، يبدو أن لبنان قد تحول في ذاك اليوم إلى فرع لإيران. “أُعدت الجامعة اللبنانية لتأهيل الطلاب من أجل مستقبل لبنان، وليس مستقبل إيران”، قال طالب لبناني لهديل مهدي، مراسلة موقع “دراج”. “هذه إشارة أخرى على انهيار الدولة، حيث يعلقون في أروقة الجامعة صور سليماني، ورئيس الجامعة يقوم بملاحقة عصام خليفة”.
عصام خليفة مؤرخ وناشط قديم في اتحاد المحاضرين ومثقف مهم، قدمت ضده لائحة اتهام بتهمة “المس بسمعة الجامعة”، بعد أن أعلن رئيس الجامعة، فؤاد أيوب، بتلقي الرشوة والإضرار بمحاضري الجامعة. اعتقال خليفة والتحقيق معه أثار الاحتجاج في أوساط طلابه، بل إن محاضرين من الجامعات الأخرى وقعوا على عرائض ونشروا منشورات وطلبوا إطلاق سراحه وإلغاء الاتهامات الموجهة ضده. معارضو إيران وحزب الله في الجامعة يرون، سواء في الدعوى التي ضده أو في تجمع إحياء ذكرى سليماني، دليلاً على منحى تسييس مخالف للجامعة. في العام 2012 سُنت مادة تمنع النشاطات السياسية في الجامعات مهما كانت. وعلى خلفية المظاهرات التي جرت في الأسابيع الأخيرة في بيروت ومدن أخرى، التي هاجم فيها أعضاء حزب الله متظاهرين لبنانيين، زادت حساسية إدارات الجامعات لكل نشاط سياسي أو تعبيرات سياسية في داخلها. ورغم ذلك، يبدو أنه -كما في مؤسسات أخرى- يضع حزب الله نفسه فوق كل قانون في الجامعة أيضاً.
مواجهات شوارع بيروت التي أثارت أزمة سياسية شديدة أدت إلى استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، لم تنته حتى الآن. ومثلما في العراق، الذي خرج فيه المتظاهرون بدعوات ضد إيران وضد المليشيات الشيعية التابعة بها، ثمة أصوات في لبنان بدأت تسمع أيضاً مصممة ضد حزب الله، وبأنه يعمل باسم إيران لفض الاحتجاج ضد النظام. بعد تصفية سليماني ازداد الخوف كثيراً من أن حزب الله سيقرر الانتقام بمهاجمة إسرائيل. ومن هنا تكون الطريق قصيرة إلى الرد الإسرائيلي الكثيف الذي سيصيب البنى التحتية المدنية في لبنان، بالضبط في الوقت الذي أصبحت فيه الدولة في إحدى الأزمات الاقتصادية الشديدة التي لم يكن لها مثيل من قبل. “إذا كان هناك من يريد الانتقام، القصد العراق أو إيران، فما صلة لبنان بذلك؟”، سأل مواطن لبناني في مقابلة لموقع “دراج”. من الصعب معرفة الشريحة السكانية التي يمثلها هذا الشخص، ولكن من قراءة ردود المتصفحين وكتاب المدونات يمكن معرفة شدة الخوف والغضب من إمكانية أن يحول حزب الله لبنان إلى ساحة حرب بسبب تصفية سليماني.
ليست تهديدات نصر الله فقط، الذي قال بأنه سيكون “انتقاماً مؤكداً”، هي التي تغضب خصومه، ففي الأسبوع الماضي نشر مطرب البوب اللبناني المشهور، أبو ناصر الطفار، مقالاً لاذعاً وجه فيه سهام انتقاده لتبجح رجال حزب الله الذين يتعاملون بسخرية مع منتقديهم، خاصة النساء من بينهم، الذين يدينون تدخل الحزب في سوريا. “لولا دخول حزب الله إلى سوريا لاغتصب “داعش” أمك أو أختك أو زوجتك”، و”دون الحزب كان “داعش” سيغتصبك، يا عاهرة”. الطافر يرد في مقاله: “يبدو أن هذه المجموعة تدخل إلى حرب اغتصاب واغتصاب مضاد، ليس أكثر من ذلك، وكأنه لا توجد أي مصلحة سوى مصلحة المس بنسائنا وبيعهن في سوق العبيد مثلما فعلوا بنساء اليزيديين في العراق… أليس لنا الحق في السؤال عن أي امرأة لبنانية دافع حزب الله؟ هل تلك هي المرأة التي يأمرها بارتداء الحجاب من سن التاسعة؟ هل هي المرأة التي رفض حزب الله نفسه منحها مكان في قائمة الحزب في البرلمان بالقول إنه “لا يوجد لحزب الله نساء يمكنهن شغل وظيفة عضو برلمان”؟
الطفار يكثر من ظهوره في البرامج التلفزيونية وهو يجري مقابلات تشدد مقالاته. كانت أغانيه جزءاً من أغاني الاحتجاج في سوريا ولبنان، وهي تبث في دول عربية أخرى وحتى في تركيا، رغم أنه يغني بالعربية العامية وبلهجة لبنانية. وقال في إحدى المقابلات بأنه لا يعرف إلى أي درجة تؤثر أغانيه على الجمهور، لكن “إذا تأثر بها ثلاثة أشخاص فهذا يساوي الكثير”. من آلاف المتابعين له يتولد الانطباع بأنه يؤثر على أكثر من ثلاثة أشخاص، وكان أحد الرواد في خلق روح العصر الجديد في لبنان؛ العصر الذي لا يوافق فيه على احتكار حزب الله للخطاب العام.
بقلم: تسفي برئيل _ القدس العربي