اتدري ما هي صعوبة المرء عندما يحاول أن ينجو من ضنك العيش بيدٍ واحدة؟؟ لا أحد يدري إلا ” مؤمن ” 22 عاما، و من يقاسمونه الحياة.
” مؤمن ” .. شابٌ بلغ الثانية والعشرين من عمره منذ أسبوعين، عند كلّ ذكرى ميلاده يُقوقِع نفسهُ في سجن الذكرى، و يتذكر تفاصيل اليوم المشؤوم ذاك.
كان حينها يبلغ من العمر عشر سنوات، حينما أعدت له والدتُه كعكةً لعيد ميلاده و قامت بدعوة أصدقائه و أطفال الحي، بدا المشهدُ رائعا إلى أن رمى أحد الأطفال مفرقعةً فأصابت يد مؤمن بخذش متوسّط، أسرع والده بأخذه إلى المشفى، و ياليته لم يأخذه، تلقّفه العمال المداومون هناك و وعدوا والده بالاعتناء به، لكن الطفل مازال يصرخ والدماء لا تزال تجري و الأبُ مرميٌّ على مضيق المشفى يكفكف دموعه العالقةُ بين جفنتيْه.
صرخ الاب في ممرات المشفى مناديا الأطباء لكن لا وجود لهم، فالجميع كان يقول له : اذهب للقسم الآخر هنا ممتلئ، انتظر مؤمن أربع ساعات حتى وصل طبيبٌ إلى المشفى، و قد كان في حالة إغماء ويده بدأت بالتحول للون الأزرق، أخذ الطبيب إصابة مؤمن و حاول علاجه بعدما استشعر الخطر الذي يداهم يده، و ما إن فتح الجرح حتى وجَد الدم متخثّراً و الأوردة جافّة و بدأت يده بالفساد والتآكل.
وضع الطبيب رأسه بين كفتيْه غارقاً في بحرٍ من ندم، حائرٌ في قطع يد الطفل الذي لم يتم العاشرة بعد، و إلا سينتقل التحجّر إلى أعلى يده، أعطى الطبيب لمؤمن إبرة منومة أخرى و ادخله غرفة العمليّات و بقي الأب مذهولاً وراء الباب، ينتظر بأمل يشوبه التحسر علّ وعسى أن ينفعه ذلك، ويعود ابنه سالما مجدّدا، انتظر الأبُ أربع ساعاتٍ أخرى ولم يشأ الإجابة على اتصالات زوجته التي كادت أن تموت رعبا وهلعاً على ابنها، و دقائق معدودة، حتى فُتح بابُ غرفة العمليّات و في السريرِ طفلٌ بريءٌ نائمٌ ..
نظر الأب ليدِ صغيره لكنّه لم يجدها حتى !! شخص الأبُ طويلا وابتلع ريقه بمرارة وصرخ بوجه الطبيب “أين يد ابني!!! ” حينها أمسكه الطبيب بلينٍ وأخبره أن “غرغرينة” شديدة أصابت يده بفعل الإهمال لأكثر من أربع ساعات، فاضطررت لقطعها كي لا تنتقل إلى باقي الساعد و جسمه .. تمالك الوالد أعصابه بصعوبة بعدما فقد توازنه، لم يصدق أن ابنه البِكر أصبح أقل من الإنسانية بيدٍ.
أسند ظهره على كرسيٍّ وأخرج تنهيدةً عميقةً و أتبعها ببكاءٍ خشنٍ حسرةً على ما حلّ بصغيرهِ، و بعد نصف ساعة، استيقظ مؤمن بتعبٍ، وأحس فوراً أن شيئا ما ينقصُه، همّ بنزع الغطاء لكنه لم يجد يده !! أطلق صرخةً مدوية في المشفى و باءت كل محاولات والده بتهدئة روعهِ بالفَشل، بكى مؤمن ليومين ولم يفق من صدمةِ فقدانه ليدهِ بسبب إهمال أصحاب الواجب ..
اليوم .. لدى مؤمن 22 عاماً، و شبابٌ أفناه في العزلة والشعور بالنقص، يعيشُ اليوم عمره معتمداً بعض الاعتماد على أمه و مساعدة إخوته و هذا ما يزيد من وجعه يوما بعد يوم، في عينيْه لومٌ للذين لا يؤدون الأمانات ولا يصونون حياة الآخرين، يقابِله الناس بنظرة استغراب تزيد من وجعه، و تقابله أمه بعطفٍ زائد كأنها تلوم نفسها لأنها هي صاحبة فكرة عيد الميلاد، فيستشعر كونه عالة، يُقابل نفسه في المرآة و يستذكر سنواته وكيف أمضاها ببن فقر العيشةِ و حروبِ نفسه التي خاضها بيدٍ واحدة، يشعُر بفخرٍ أنه عاش 22 سنة بيدٍ واحدة ، إلا حينما يأتي ذكرى مولده، يعودُ طفلاً صغيرا يشتهي لعب كرة اليد والإمساك بالعصافير و صدّ كرات أقرانه أثناء اللعب،
إنْ لم تؤدِّ واجبكَ اعلم أنّك انتهكت حقّ أحدٍ آخر.
بقلم : ميسوم خديجة
المركز الصحفي السوري