كان كل شيء هادئاً واعتيادي، ساعاتُ الصباحِ الباكر مع شروق الشمس تخترقها أصواتُ طائر الخطاف أو ما نسميه في العامية “السنونو” والتي تصخب أرجاء المدينة بصوتها، وتعزف ألحاناً لا يستهويها الكثير نظراً لارتفاع صوتها الذي يوقظ النائمين.
يحكي “محمد النسر” ابن مدينة خان شيخون عن صباح يوم الرابع من نيسان عام 2017 الذي عاشته مدينة خان شيخون في الريف الجنوبي لإدلب، تلك المدينة التي تعتبر الفاصل بين حماة وإدلب، والمشهورة بزراعة الفستق الحلبي وغيرها من المزروعات.
محمد استيقظ كعادته باكراً ليذهب إلى عمله، يحتسي قهوته في حديقة منزله، وعلى أنغام فيروز وطائر السنونو يتبادل محمد أطراف الحديث مع زوجته، قبل أن يخترق جلستهم خلسةً صوت طائرة حربية سرعان ما ضجت به كل أرجاء المدينة، وتقصف صاروخها الغاشم ثم تمضي بعيداً.
يقول محمد “أجواء المدينة تعجّ بأصوات الطائرات الحربية، وتلك الأصوات أصبحت اعتيادية عندنا، فالمدينة تعرضت لحملات قصف مكثفة وعنيفة لعدة مرات، لكن أمراً ما كان يريبنا، الطائرة جائت مبكراً، تبحث عن هدف، يا ترى من ضحية اليوم؟”
“فجأةً بدأت تهز المدينة أصوات الانفجارات، انفجارات عديدة في مناطق متفرقة من المدينة، زادت مخاوفنا وكادت القلوب أن تبلغ الحناجر بعد سماعنا أحد المراصد يقول قبل القصف ربما تلك الطائرة تحمل غازات سامة، وبعد دقائق تأكدت مخاوفنا”
“كانت معلوماتنا عن التعامل مع الغازات السامة ضعيفة جداً، لكننا هرعنا للمشاركة في الإنقاذ غير آبهين بالموت، وعندما وصلنا إلى مركز القصف كانت المشاهد مهولة ومرعبة، العشرات مستلقين على الأرض يبحثون عن ذرة أوكسجين واحدة للنجاة، ويحاول الأهالي والدفاع المدني أن ينقذوهم بأية وسيلة”
“كنا ندخل المنازل لنجد فيها عوائل كاملة فارقت الحياة، كانوا نائمين مطمئنين في منازلهم، قبل أن يتسلل غاز السارين داخل المنازل ويخترق طمأنينة النائمين ويفاجئهم باختفاء الهواء، وماتوا بطريقة هي الأصعب والأقسى على الإطلاق”
استشهد نتيجة المجزرة بحسب فريق الدفاع المدني السوري أكثر من 90 مدنياً، وأصيب بحالات اختناق ما يقارب 540 آخرين، وذلك بعد هجمات جوية نفذها سلاح الجو التابع لقوات النظام بقيادة الطيار “محمد يوسف حاصوري” قائد سرب طائرات سوخوي 22 في مطار الشعيرات شرقي حمص.
القاتل لا يزال طليقاً
إدانات فحسب، الخطوط الحمراء تجاوزها نظام الأسد مرات عديدة، والسلاحُ الذي يصنفُ كمُحرمٍ دولياً بات حلالاً على نظام الأسد استخدامه ضد شعبه الأعزل المطالب بالحرية والكرامة.
ردود فعل متضاربة وغاضبة بعض الأحيان عقبت مجزرة خان شيخون، وكانت أكثر تلك الردود واقعيةً استهداف القوات الأمريكية بأوامر من الرئيس “دونالد ترامب” مطار الشعيرات العسكري بـ 59 صاروخاً من طراز “توما هوك” ما تسبب بخروج المطار عن الخدمة لفترة، ثم عودته مجدداً في حين أقر ترامب في أيلول 2020 أنه كان ينوي معاقبة الأسد على ارتكابه مجزرة خان شيخون عبر اغتياله، إلا أن وزارة الدفاع عارضت الخيار.
رغم كل الأصوات المطالبة بمحاسبة رأس النظام على مجزرة خان شيخون، كرر النظام مجازره الكيميائية غير آبه بالمحاسبة والقوانين الدولية، فبعد عام من مجزرة خان شيخون كررت قوات النظام استخدام الكيماوي في قصف مدينة دوما بريف دمشق، وتسببت بمقتل أكثر من مئة مدني وعشرات الإصابات في 7 نيسان/أبريل 2018.
الجدير ذكره أن بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية حققت في المجزرة وأحالت تقرير التحقيق إلى آلية التحقيق المشتركة بين المنظمة والأمم المتحدة والتي بدورها أدانت نظام الأسد في استخدام غاز السارين.
قصة خبرية بقلم: إبراهيم الخطيب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع