«كنا نتخبى بالمغارة من قذايف بشار، صرنا نتخبى فيها من الشوب… لنشوف لسا من شو رح نتخبى! والله يا بنتي ملينا وتعبنا من هالعيشة، حتى النوم متل الخلق صار محرم علينا من هالشوب. عمري 52 سنة، ما شفت بعمري متل هالأيام وشوباتهن. مشان تكمل معنا، لأنه نحن ناقصنا»؛ بهذه الكلمات بدأت أم عبد الله حديثها عن موجة الحر والطرق التي اتبعتها للتخفيف من آثارها.
ما يقي من القصف يقي من الحر
اجتاحت موجة حر قاسية سورية والدول المجاورة، بلغت درجات الحرارة فيها مستويات عالية، ما زاد معاناة السوريين في ظل انقطاع دائم للكهرباء، فصار إيجاد بدائل للتأقلم مع الحر أولوية الجميع. ومن أهم هذه البدائل استخدام المغاور والكهوف للإقامة بها في الأوقات التي تشتد فيها درجات الحرارة. فغالبية الأسر كانت قد حفرت مغاور تحت الأرض للاحتماء من القصف، وأسهمت هذه الطريقة في تخفيف الخسائر في الأرواح. وأصبحت لهذه المغاور مهمة مزدوجة الآن، فغالبية الأسر التي تملك مغارة أصبحت تلجأ إليها في ساعات النهار هرباً من الحر، لأن درجات الحرارة تنخفض فيها لتصل إلى 10 درجات. ولكن لهذه المغاور مضار على الصحة بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة داخلها، بالإضافة إلى صعوبة التهوية ونقص الأوكسجين، ما يؤدي إلى أمراض كثيرة وخاصة لدى الأطفال.
أم عبد الله من أهالي بلدة معرة حرمة بريف إدلب الجنوبي، تستخدم هي وأسرتها المغارة الموجودة تحت منزلهم غالبية اليوم، قالت لـ«عين المدينة»: «حفر أبو عبد الله المغارة من 4 سنوات، وضربت الطيارة فوقها مرة والحمد لله ما تأذينا لأنه كنا بقلبها، وهلق بنام فيها أنا والولاد الظهر لأنه شوب كتير وكهربا ما في. بس والله يا بنتي كتير بيضيق خلقي لمن أنزل عليها، بس شو بدنا نعمل».
وتقوم بعض الأسر بوضع بعض الأطعمة المعلبة داخل المغاور، وبعض الأغطية الضرورية، والماء، تحسباً للبقاء في داخلها لمدة طويلة.
البوظ حل جزءاً من المشكلة
منذ بداية عام 2012 بدأت تظهر في الأسواق ألواح البوظ التي صار يستخدمها الناس في تبريد المياه والحفاظ على الأطعمة أحياناً. ولكن بسبب غياب المؤسسات الرقابية على الأسواق في الشمال السوري كانت أسعار لوح البوظ غير مستقرة، وتراوحت مؤخراً بين 800 ليرة سورية و2500 في أوقات ازدياد درجات الحرارة. وأدت موجات الحر المتتالية إلى ارتفاع غير طبيعي في أسعار البوظ، والازدحام الشديد على الباعة جعلهم يرفعون الأسعار دون أي رادع ولا اكتراث لمعاناة الناس.
«والله المي السخنة دوّبت قلبي. ما بقدر أشربها، وما بحسن أشتري بوظ لأنه غالي ومصروف تاني، وما عندي حدى بيروح على الجسر ليجيب لي بوظ. وهالشوبات حرمونا من النوم، بالليل شوب وبق وبالنهار شوب كتير»، هذا ما قالته أم صطوف، المرأة المسنة من أهالي قرية المعلقة القريبة من جسر الشغور.
الكلس خفّض درجات الحرارة
لجأ الكثيرون من سكان الشمال إلى دهن أسطح المنازل والجدران المعرضة لأشعة الشمس بمادة الكلس (الجير)، فلونه الأبيض يعكس أشعة الشمس ويسهم بالتالي في خفض درجات الحرارة داخل المنازل. ويستخدمه السكان لرخص ثمنه وزيادة بياضه، فتكاليف دهن سطح منزل بمساحة 100 متر مربع لا تزيد عن 4 آلاف ليرة، وهو سعر منخفض مقارنة بسعر الدهان.
حسين العلي (48 سنة)، مدير مدرسة في ريف حماة الشمالي، قال لنا: «دهنت سطح بيتي بالكلس، بعد أن رأيت جيراني يستخدمونه، فكانت النتيجة إيجابية جداً. لقد انخفضت درجات الحرارة داخل المنزل بشكل ملاحظ».
مراوح تعمل على بطارية السيارة
لا يكاد يخلو منزل في المناطق المحررة المحرومة من الكهرباء من هذه المروحة ذات الجودة الرديئة. فقد أغرق التجار السوق بهذا النوع من المراوح مع بداية فصل الصيف. وتراوح سعر الواحدة منها بين 22 و70 دولاراً. وتمتاز بقلة استهلاكها للكهرباء، فهي تعمل على بطارية صغيرة. لكن من سلبياتها الكثيرة سرعة تلفها، وقلة الهواء الناتج عن حركتها بسبب صغر مروحتها وضعف محركها الصغير، بالإضافة إلى كلفتها الزائدة الناتجة عن الحاجة إلى البطارية ولوح طاقة شمسية تصل كلفتهما إلى 300 دولار. لكنها كانت حلاً أسهم في تخفيف أثر موجة الحر.
كما أن استخدام الجرة الفخارية (الخابية) الملفوفة بالقماش أو المدفونة في التراب للحفاظ على برودة المياه لمدة طويلة، واستخدام القصب بوضعه على أسقف الخيام وتغطيته بقماش مبلل بالماء، هي الأخرى طرق بدائية عاد الناس إلى استخدامها للتأقلم مع ظروفهم.
نقلا عن عين المدينة