تعتبر تجارب الأعمال الجماعية الخدمية من أكثر أنواع التجارب نجاحا, نظرا للأثر الإيجابي الذي تحدثه في نفوس العامة, فهي عبارة عن تضافر كبير لمجموعة جهود شبابية طموحة تعمل بإخلاص كبير, وعطاء يكون في أغلب حالاته غير مشروط مسبقا بأي شرط مادي تحديدا.
وعلى سبيل الإنصاف, لابد من التعريج على هذه التجارب التطوعية الشبابية التي بدأت تترجم على أرض الواقع في المناطق المحررة في سورية, حيث دخلت حيز التنفيذ منذ الأشهر الأولى التي بدأت فيها المدن والبلدات السورية بالتحرر من سلطة النظام, فكان من الضروري أن تبدأ فعاليات خدمية أهلية تتشكل من أبناء وشباب البلدة المحررة أنفسهم, ليقوموا بتسيير شؤون بلدتهم ضمن حالة تطوعية خلقت نوعا من التفاهم والمحبة والرضا بين أبناء البلدة الذين شعروا أنهم قادرون على إدارة شؤونهم بأنفسهم بعد غياب مؤسسات السلطة القمعية التي غابت عن مناطقهم التي خرجوا ضدها.
تنوعت تلك الأعمال الشبابية التطوعية وأخذت صورا مختلفة, لتشمل قطاعات عديدة, كالقطاع الطبي والقطاع الأمني والقطاع الخدمي, ورويدا رويدا بدأت تكسب الدعم والتأييد من الداخل, ومن بعض الأطراف الداعمة للثورة في الخارج, حتى تحولت اليوم إلى مجموعة من الجمعيات والمؤسسات التي بدأت تسير على طريق العمل الاحترافي.
وتحديدا في مجال الأعمال الخدمية, بدأت مجموعة من الجمعيات ذات الطابع الأهلي المؤسساتي بالعمل على البدء بحملات التنظيف الواسعة التي ستشمل العديد من القرى والبلدات الواقعة في “ريف إدلب” الجنوبي, وجاءت هذه الخطوة الهامة تلبية لنداء الأهالي الذين أرادوا من خلالها إعادة تأهيل الشوارع والساحات العامة وتنظيفها, للدلالة على أن الشعب السوري هو شعب حضاري يتمسك بعاداته الحضارية والجمالية, رغم كل ما يعانيه من قصف همجي وقتل وتشريد.
وعن هذه الخطوة تحديدا يقول “أبو قاسم”, مواطن من محافظة “حماة”, يقيم في ريف إدلب:
” أشعر بالفخر والامتنان, عندما أشاهد هذا النوع من الحملات الخدمية, لأننا بأمس الحاجة لها.. ليست الطائرات وحدها تقتلنا, وإنما الأمراض والأوبئة وعدم المبالاة من بعض المعنيين والقائمين ببعض المراكز المحسوبة على الثورة, وصدقوني أنا لا أبالغ إن قلت لكم, أن هذه التجربة لم نشاهدها حتى في السنوات التي كنا نعيشها في ظل حكم النظام, فكل مجموعة من الأحياء أو الشوارع, كانت مخدمة سابقا بعدد قليل وغير كافٍ من “عمال النظافة”, بحيث كنا نشاهد أكواما من الأوساخ غالبا ما تبقى باقية في الشوارع حتى بعد قيامهم بأعمال التنظيف, أمَّا اليوم, فأنا أشاهد مجموعة كبيرة من الشبان بلباس موحد, يسيرون بالحملة من بداية الشارع حتى نهايته بمرافقة السيارة الخاصة بالتنظيف إضافة لمضخة المياه وبعد مغادرتهم، نجد أن الشارع قد أصبح نظيفا للغاية, حماهم الله”.
إذن هي تجارب نوعية وخاصة يحبها ويشجعها السوريون, لأنها تعيد ضخ الروح الجماعية من جديد, إضافة إلى نشر روح المحبة والتفاهم بين أبناء البلدة الواحدة, فضلا عن الأثر الإيجابي الذي تتركه ماثلا أمام أنظار السوريين وغير السوريين, بأن الشعب السوري هو شعب حضاري ويستطيع أن يقدم أمثلة من الأعمال البسيطة التي تكون نواة لتأسيس أعمال أكبر.. من شأنها أن تكرِّس فكرة أن الشعب السوري هو الأحق بحكم نفسه بنفسه بعيدا عن حكم السلطة المستبدة الظالمة.
المركز الصفي السوري- فادي أبو الجود