يروي محمود، وهو شاب لم يكمل عقده الثلاثين من العمر، الذي كان يرضى بالقليل من زراعته لتأمين عيشه، لكن جور النظام، دفعه مع رفاقه لمغادرة سوريا، مستغلين قرارات التأجيل وتصاريح السفر القصيرة الأجل، علّها تكون خلاصهم الوحيد.
نصحه رفاقه بالتوجه إلى ليبيا لبدء رحلة اللجوء المحفوفة بالمخاطر إلى ليبيا عبر رمالها الحارقة، وبالفعل وصل محمود منتصف العام الماضي إلى بنغازي بعد رحلة كلفته أكثر من 1000يورو تقريباً.
وسعى منذ لحظة الوصول إلى التنسيق مع مهرب لإيصاله إلى غرب البلاد، في رحلة استغرقت أياماً بم تفارقها أجواء الحر الشديد ومشقة التعب وشدة العطش والجوع، في أمل رسم فسحة أمل من بين الصحاري غير المنقطة في المكان.
والتقى محمود هناك بمهرب لأجل إتمام الرحلة الأخيرة عبر البحر إلى إيطاليا مقابل 1500 يورو، ليتم إيصاله إلى غرفتين فيها أعداد كبيرة من المهاجرين تخطوا المائة، في انتظار ساعة الصفر للتوجه بهم إلى أحد مراكب المهربين، بعد قضاء ليلة أخيرة قد تكون الأخيرة بكل شيء.
أمر المهرب بصعود 70 شخصاً على مركب، وكان محمود من ضمنهم، كان النساء والأطفال أيضاً معه، وانطلق الزورق ليلاً خوفاً من رصده من خفر السواحل الليبي الذي يتصيد المهاجرين ليتلقى المال من أوروبا.
لكنهم كانوا الأقرب بعد التهديد بإطلاق النار في المكان، واصطحبوا محمود ومن معه إلى الشاطئ ثم للسجن، الذي جمع محمود مع أربعة سوريين آخرين كانوا قبله محتجزين، فجدران سجون العالم يبدو أنها ألفت السوريين واعتادت عليهم.
يصف محمود الوضع الصعب في مركز الاحتجاز، وقلة الطعام والشراب، قطعة خبز وجبن وجبة واحدة، وماء شرب ساخنة بفعل الصحراء، التي لا تُذهب ظمأ العطشى.
بدأت محاولات الآخرين للبحث عن مكان أو زاوية للهرب، لكن محمود ومن معه لا يستطيعون ذلك فجوازات سفرهم مع الشرطة ويريدون تسلمها أولاً للشعور بالأمن قليلاً.
توسل محمود ورفاقه في اليوم التالي من رئيس المركز، الذي منحهم أوراقهم، وخرجوا ليتفاجؤوا بالصحراء من كل مكان حولهم، خرجوا لوحدهم دون ماء أو طعام.
وبعد ساعات من المشي تحت لهيب الشمس الحارقة، التي سلطت كل حرارتها على أجسام المهاجرين الذين لاقوا ويلات وطعم اللجوء، ليستأجر الخمسة بيتاً في محاولة استعادة قواهم والتفكير بما تخبئ لهم الأيام القادمة.
فكروا في العمل ريثما يتم تجميع مبالغ لرحلة أخرى، لكنهم صُدموا بواقع العمال اللاجئين واستغلالهم من أصحاب العمل، تصل أحياناً لعدم أخذ أجرتهم، ناهيك عن حملة الاعتقالات التي تطال المهاجرين.
يبدو أن سراب الصحراء الذي ظن محمود أنه قد يكون الخلاص الوحيد له ولرفاقه، قد أسقط أحلامهم الجميلة على رمال جافة حارقة دون رأفة، لتنكشف حقيقة الأمر بعد سفر طويل بين البلدان، ليضطر للعودة إلى نقطة الصفر من جديد.
اليوم يعاني السوريون في بلدان المغترب ظروفاً تعد الأصعب قبل سنوات ماضية، لتكبر دائرة الاستفهام حول مألات مصيرهم المجهول، الذي عجر كبار قادة العالم عن حل لغزه إلى الأن بعد مرور 10 سنوات من القتل والتهجير.
قصة خبرية / طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع