” بتمنى أنّو أرجع أمشي متل أوّل.. وأرجع لمدرستي.. وحقّق أمنياتي يلّلي ضاعت منّي وكنت أتمناها من قبل”
كيف يُشرع النظام السوري السيطرة على الأملاك
بهذه الكلمات استهلّت حديثها، والحزن يفيض من عينيها، نظراتُها الحائرة تبوحُ بخوفها من مجهولٍ ينتظرها، كمامتُها التي تضعها على فمها تخفي وراءَها حروفا وكلماتٍ تحجّرتْ على شفتيها كأحلامِها التي تَسَمّرَتْ في مخيّلتها، وتخشى ألا ترى النّور.
مريم، فتاة من إدلب، عمرها 18 عاما، أُصيبتْ بقصف طيران النّظام، في لحظةٍ فقدتْ رجليها كلتيهما، اليمنى بُترت من تحت الرّكبة، واليسرى من فوقها.
تحبو مريم الشّابة كطفلة صغيرة، من أوّل الغرفة إلى آخرها، مستعينةً بيديها، تتخطّى المدفأةَ التي تتوسط فناء الغرفة، لتجلس بالقرب من والدها قليلا، ثم تأخذُ زاويةً في الغرفة الصغيرة، تُمسكُ جوالها، وتُعيدُ مشاهدةَ مقطع القصف الذي خزّنته فيه.
صوتُ انفجار مدوٍّ، أبنيةٌ تتهدّم فوق رؤوس ساكنيها، ودخانٌ كثيف يغطّي المكان. تستمر مريم في التحديق إلى شاشة جوالها الصغيرة، تغرورق عيناها بالدموع، تطيلُ النّظر إلى الشّاشة بصمتٍ وهي تسترجع تلك اللحظات المريرة التي كانت حدثاً مفصليا غيّر مجرى حياتها.
18 عاما وهي تمشي وتركض وتلعب وتذهب إلى المدرسة .. والآن باتت مُقْعَدةً بلا قدمين تطأ بهما الثرى.
بعد إصابتها، نُقلت إلى تركيا:
“تعالجْتْ بتركيا، والحمد لله تعافيْتْ، وبصحّة جيدة، وركبولي أطراف صناعية، وما مشي حالهم أبدا.. لأنو الأطراف اللي ركبولي ياها ما ناسبت وضعي أبدا.. تْقِالْ وبيطلعو من رجلي”.
تسكت مريم لبرهة، ثم يأتي والدها بالتقرير الطبّي الذي بحوزته عن وضع ابنته، أحضره من مشفى في محافظة إدلب. كان أحد الأشخاص قد وعدهم بأن يتبرع لها ويتكفّلها، ولكنه ذهب ولم يعد.
يتحدّث والدها عن معاناتها في المنزل:
“معاناتها في البيت صعبة كتير، وهالأطراف ما ناسبوها خالص.. تحب تطلع على عمامها.. على رفقاتها.. عالمدرسة..معاناتها صعبة كتير صعبة.. أحيانا تبكي.. شلون كانت وشلون صارت”.
تنظر مريم بعينين يختلط فيهما بريق الأمل ودموع الألم، ثم تنهي حديثها بقولها:
“أنا بحاجة زراعة أطراف، أو أطراف ذكية، لحتى أرجع أعين حالي وأرجع على مدرستي وكمّل دراستي، وحقّق أمنياتي يللي تمنيتها بالحياة ودمّرت لي ياها الحرب”.
صحيح أنّها لم تستطع أنْ تستعيد قدميها، ولكن الأمل مازال يتوقّد بين جنبيها، فهي تحلم بأطراف صناعية، لتمضي قُدما في هذه الحياة، وكلّها إصرار أن تحقّق أمنياتها وتكمل دراستها.
وجع مريم هو وجع الكثير من السوريين الذين سرقت منهم الحرب أطرافهم وأحلامهم أيضا، ولكنها عازمة على مواصلة الطريق لتحقيق ما تصبو إليه.
ظلال عبود
المركز الصحفي السوري