بين النفي الأميركي والتأكيد الروسي يكثر الحديث عن تنسيق عسكري مشترك بين البلدين في العمليات العسكرية المتزامنة التي تشهدها مناطق يسيطر عليهتنظيم الدولة الإسلامية بالشمال السوري.
فقد نقلت وكالة “إنترفاكس الروسية” عن أوليج سيرومولوتوف نائب وزير الخارجية الروسي قوله الأسبوع الماضي إن روسيا والولايات المتحدة تبحثان “التنسيق العسكري الملموس” في سبيل تحرير مدينة الرقة من قبضة تنظيم الدولة.
هذه التصريحات سرعان ما نفتها وزارة الدفاع الأميركية على لسان المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك الذي شدد على عدم وجود تنسيق عسكري على الأرض مع الجيش الروسي، مشيرا إلى أن مستوى التعاون ينحصر حول مذكرة التفاهم المشتركة بشأن سلامة الطلعات الجوية واتفاق وقف الأعمال القتالية.
لكن تزامن العمليات العسكرية التي تشهدها المحاور الرئيسية باتجاه مدينة الرقة سواء من طرف قواتسوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا من جهة، أو من قوات النظام السوري تحت الغطاء الجوي الروسي من جهة أخرى قد لا يكون عبثيا، بل يطرح أسئلة يراها كثير من المراقبين مشروعة ومنطقية.
تجنب الصدام
يرى المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وليام كيغان أن غياب التنسيق لا يعني عدم وجود اتصالات بين الجانبين بالنظر لحالة الفوضى التي تطبع الحالة السورية وتشابك المتداخلين فيها.
كيغان: أي تنسيق أميركي روسي سيكون هدفه تجنب صدام عسكري بسوريا (الجزيرة) |
ويعتبر المسؤول الأميركي السابق أن أي تنسيق عسكري بين القوتين العظميين في الساحة السورية سيكون هدفه تجنب صدام عسكري غير مرغوب به رغم اختلاف أهدافهما المعلنة.
ويضيف كيغان أن السؤال الصعب أمام واشنطن هو كيف يمكن للولايات المتحدة هزيمة تنظيم الدولة في سوريا من دون أن يكونبشار الأسد الفائز الأكبر من كل ذلك؟
وتصر واشنطن على أن التنسيق مع الجانب الروسي في ما يتعلق بوقف الأعمال القتالية وسلامة الطلعات الجوية التي تجريها المقاتلات الأميركية والروسية فوق الأجواء السورية لا يعني تعاونا عسكريا كاملا.
لكن وليام كيغان -وهو أيضا قائد ومخطط إستراتيجي سابق في البنتاغون- توقع أن يتفق الجانبان في نهاية المطاف على عمليات عسكرية مشتركة متى ما كان الهدف منها هو ضرب تنظيم الدولة.
نقطة التقاء
ويعتبر الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات توني بدران أن إصرار الجانب الروسي على وجود تعاون عسكري مع الولايات المتحدة يهدف إلى تمهيد الطريق نحو تعاون غير مباشر بين واشنطن ودمشق في مرحلة معينة، كما يهدف للحصول على معلومات استخباراتية أميركية بشأن الجماعات التي تعتبرها روسيا إرهابية في سوريا، وفي مقدمتها جبهة النصرة.
ويقول بدران للجزيرة نت إن الولايات المتحدة فرضت قيودا على نفسها بدعمها وحدات الحماية الشعبية الكردية في سوريا التي لا تعتبر مسألة إسقاط الأسد أولوية رغم التحفظات التركية في هذا الصدد.
ويرى أن هذا الدعم يتعارض بشكل صارخ مع سياسات أنقرة في الملف السوري، في وقت باتت أولوية واشنطن محاربة تنظيم الدولة وليس مواجهة الأسد، ويشير إلى أن ذلك يؤدي بالضرورة إلى ضيق الخيارات الأميركية المتاحة، وهو ما قد يفضي في نهاية المطاف إلى احتمال تنسيق عسكري مع الجانب الروسي، خاصة في الرقة.
بدران: روسيا ستستغل أي تعاون مع أميركا لإضفاء شرعية على نظام الأسد(الجزيرة) |
ويعتقد بدران أن تقدم قوات سوريا الديمقراطية -التي تشكل وحدات الحماية الشعبية الكردية عمودها الفقري- نحو مدينةمنبج بالتزامن مع وصول القوات الحكومية إلى محافظة الرقة سيفضي إلى نقطة التقاء بين الجانبين الأميركي والروسي في آخر المطاف، وهو ما وصفه بالفخ الروسي.
ويضيف أن روسيا ستستغل ذلك سياسيا لمصلحة إعادة إضفاء الشرعية للنظام السوري ومحاولة تسويق لدى الجانب الأميركي، خاصة أن موسكو باتت بحكم الواقع عراب النظام والمتحدث باسمه في المحافل الدولية.
كما يعتبر بدران أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يعد لديه ما يقدمه في الملف السوري مع بدء العد التنازلي لرحيله بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة أواخر العام الحالي.