قــــراءة فــي الـصحـف
نبدأ قراءتنا من صحيفة الـ “فايننشال تايمز” الأمريكية التي رأت في افتتاحيتها، أن سقوط مدينة حلب في يد القوات الموالية للنظام السوري يعد مؤشرا إلى انهيار التأثير الأمريكي والأوروبي.
وتقول الافتتاحية، أن “سقوط حلب يعد نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية، وهي اللحظة التي استطاع فيها بشار الأسد ورعاته الروس والإيرانيون تأكيد اليد العليا، وهي اللحظة التي يجب أن ينظر فيها للطموحات الأمريكية والأوروبية على حقيقتها: دراسة حالة في التفكير المشوش”.
وتشير الصحيفة إلى أن “واشنطن والعواصم الأوروبية الأخرى تجني حصاد ما زرعته في المراحل الأولى من النزاع، عندما لم تستدع لا قوة الإرادة ولا المال الكافي للتدخل بشكل فاعل، حيث جعلت الولايات المتحدة وبريطانيا الأسد مركزا للمفاوضات، لكنهما فشلتا في تقديم الدعم للقوى التي تحالفت ضده بقوة كافية، بحيث جعلتا التهديد يبدو حقيقيا، ووضع الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخط الأحمر حول استخدام السلاح الكيماوي، لكنه فشل في حمايته، وقبل تدمير حلب بمدة، أظهر أن الوعود بحماية القوى الخارجية للمدنيين من الجرائم فارغة”.
وتلفت الافتتاحية إلى “تعهدات كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بالتحرك أمام الكارثة الإنسانية التي تتطور على أبواب أوروبا، و(تكسر القلب)، فقد وقفا متفرجين أمام التدخل الروسي العام الماضي لإنقاذ نظام الأسد الديكتاتوري، وتخلى الغرب عن تأثيره في الأحداث التالية، ولم تؤد لا واشنطن أو أي عاصمة أوروبية دورا في المفاوضات التي وعد فيها بإجلاء عشرات الآلاف من المدنيين يوم الأربعاء، ولم يكن لدى المسؤولين الغربيين ما يفعلونه سوى فرك أيديهم عندما استأنفت قوات النظام القصف قبل بدء عملية الإجلاء”.
بدورها نشرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية مقالاً للكاتب الألماني “داميان ستروكا” بعنوان، “مدينة حلب السورية.. رمز لعجز و عدم مبالاة دول الغرب”.
يقول الكاتب، إن مدينة حلب السورية بوصفها “أسوأ مأساة في القرن الواحد والعشرين” أو “حمام الدم” أو “المجزرة” أو “سريبرينتسا الجديدة”، لم يحرك دول الغرب ساكنا لأجلها، واكتفى بالتنديد جراء هجوم قوات النظام السوري برئاسة الأسد، التي تتلقى دعما من إيران وروسيا.
وقال إنه “حتى مع إداناتهم المتكررة للرئيس الروسي بوتين، ظل عجز دول الغرب واضحا للغاية”.
ونقل الكاتب الألماني عن لوران جوفرين من صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، قوله: “يمكن للرجال والنساء والاطفال في مدينة حلب السورية أن يموتوا، فنحن لن نحرك ساكنا”، محملا الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسؤولية “تراجع المشاعر الإنسانية في الكوكب”.
ونطالع في صحيفة الـ “واشنطن بوست” الأمريكية مقالا للباحث في معهد “بروكينغز”،”ليون ويزليتير”، يحمل فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما المسؤولية عن مأساة حلب.
ويقول الكاتب: “تذكرت وأنا أفكر في إبادة حلب وأهلها، جملة قرأتها هذا الصيف، وظهرت في مديح لأيلي ويزل، (المعروف بملاحقته النازيين، والحائز على جائزة نوبل للسلام)، بعد وفاته بفترة قصيرة، وكانت جملة جميلة، وجاء فيها: (يجب ألا نقف متفرجين تجاه الظلم، وألا نظهر لامبالاة بالمعاناة)، والمشكلة في هذه الجملة هي أنها صادرة عن البيت الأبيض، ومنسوبة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولهذا فإن الجملة ليست جميلة بعد هذا كله، إنها تحمل نفاقا كبيرا”.
ويضيف ويزليتير في مقاله: “كيف يتجرأ أوباما وأعضاء إدارته على التحدث بهذه الطريقة؟ فبعد خمسة أعوام ويزيد من عدم التحرك الأمريكي في سوريا، فإنهم حولوا بلادنا إلى شيء أقل من متفرج على أكبر جريمة في زمننا”.
وبذات الموضوع قدمت دراسة إسرائيلية ورقة بحثية قالت، إن مدينة حلب تشهد هذه المجزرة المروعة بعد معركة صعبة لفترة طويلة، كانت تجري من شارع لشارع وبيت لبيت وغرفة لغرفة، مشيرة إلى أن التقدير الإسرائيلي يعتبر أن ردود الفعل على مستوى العالم التزمت الصمت.
وبيّنت الدراسة أن الدرس المستفاد مما أسمتها التراجيديا السورية بات أوضح مما كان سابقا، ورغم أن الكلام الآن لن ينقذ أطفال حلب، فإن المجزرة الحاصلة على يد قوات بشار الأسد، والمواقف الداعمة التي يحظى بها من الغرب، تشير إلى أنه يحظر على إسرائيل أن تعتمد على الآخرين.
وقال “المستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار:”العالم الذي يقف صامتا اليوم إزاء ما يحصل في حلب ويكتف يديه أمام المعاناة التي يقاسيها الحلبيون، هو ذاته العالم الذي لا يعمل شيئا بشأن حيازة إيران السلاح النووي، بل يرسل إليها المليارات ويمنحها المزيد من الصفقات التجارية.”
وختمت الدراسة بالقول: الكثير سيقال بعد سنوات عن مرحلة الثورة ضد الأسد بين عامي 2011 و2016، وسوف تكتب كتب كثيرة ومقالات عديدة عن السنوات الست الأخيرة، لكن الكلمات الجميلة والدموع الساخنة لن تعيد الأمور لما كانت عليه، ولن تمنح مئات آلاف القتلى العودة إلى حياتهم، ولن تشفي جراحات ملايين المصابين، ولن تعيد ملايين اللاجئين السوريين الذين توزعوا في جميع أنحاء العالم، وكل دولة في العالم سوف تعود لمزاولة أعمالها وتنشغل بيومياتها، ولن ينتبه أحد للسوريين.
الـمركـز الـصحـفي الـسوري _ صـحف