ساعات تفصل السوريين عن الموعد النظري لبدء تطبيق الاتفاق الأميركي الروسيالمفضي إلى وقف إطلاق النار في سورية، والذي يستثني كلاً من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) و”جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة سابقاً). لكن فصائل المعارضة والمدنيين يشككون في نجاح هذا الاتفاق، إنْ كان بسبب ولادته في ظل عسر مسار المفاوضات، التي دارت في جنيف بين موسكو وواشنطن، أو لفشلهما السابق في الالتزام بقرار مجلس الأمن الخاص بـ”وقف الأعمال العدائية”، الذي أعلن عن سريانه منذ شهر فبراير/شباط الماضي.
وكان وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا، جون كيري وسيرغي لافروف، قد أعلنا عن توصلهما إلى اتفاق في الساعات الأولى من صباح يوم السبت الماضي، ينص على وقف لإطلاق النار، ويشمل جميع أنحاء البلاد، اعتباراً من يوم الاثنين 12 سبتمبر/أيلول في تمام الساعة 7 مساءً. ومن المقرر أن يستمر لمدة سبعة أيام تسمح للمساعدات الإنسانية والتنقلات المدنية بالوصول إلى حلب، ثاني أكبر مدن سورية وعاصمتها الاقتصادية. كما ينص الاتفاق على انسحاب القوات المتقاتلة من طريق الكاستيلو، وهو ممر رئيسي للدخول إلى حلب، لتعلن منطقة خالية من التواجد العسكري.
ويمكن القول إن التشكيك بالنوايا الأميركية الروسية ظل سيد الموقف بالنسبة إلى الأطراف المعارضة للنظام السوري. فالاتفاق الذي تنازل فيه الأميركيون للروس في العدد الأكبر من بنوده، لم يلحظ المليشيات الطائفية التي تحارب إلى جانب النظام، ولا منع جيش الأسد من مواصلة القتل بشرط أن تكون عملياته العسكرية خارج المناطق التي تنتشر فيها تنظيمات “داعش” و”فتح الشام”. لا بل إنه أراح النظام من عبء مواصلة القتل لتسليم المهمة إلى الروس والأميركيين. أكثر من ذلك، فإن المعارضة السورية، بجناحيها السياسي والمسلح، لم تتم استشارتها بعكس ما حصل مع النظام السوري الذي يتحدث باسمه الوزير الروسي ويوقع بالنيابة عنه. أكثر من ذلك، فقد تلقت الفصائل المسلحة إنذاراً مكتوباً أقرب إلى التهديد من المبعوث الأميركي، مايكل راتني، الذي حذّر الفصائل من “عواقب وخيمة” في حال لم تبتعد عن “فتح الشام”، على الرغم من علم الرجل بأن المناطق المشتركة بين الفصائل المسلحة و”فتح الشام” يصعب إجراء فصل عامودي فيها بين المسلحين، ومع علم راتني أيضاً بأن أي قضاء على تنظيمات متهمة بالإرهاب لن يكون يسيراً طالما لم يقتنع السوريون أن البديل عنها لن يكون بشار الأسد وباقي أركان نظامه، وطالما أن صفة الإرهاب محصورة بالفصائل المعارضة من دون النظام ومن يرتكب الجرائم إلى جانبه.
بالإضافة إلى ذلك كله، فإنّ التوجس الأكبر ينبع من أن يكون الاتفاق نقطة بداية للإنجاز على الثورة السورية من خلال السماح ضمنياً للنظام ومحوره بتوسيع رقعة سيطرتهم تحت شعار “محاربة الإرهاب” بما أنه ليست هناك أية ضمانة لنزاهة تحديد المناطق التي تنتشر فيها فصائل المعارضة أو تنظيمات توصف بـ”الإرهابية”. وما يبرر هذه الخشية هو أن الحَكَم الرئيسي في اتفاق الهدنة يبقى الطرف الرئيسي في قتل السوريين، أي النظام الروسي، الذي يقدم عادة، بنفسه، على انتهاك اتفاقات وقف النار التي يبرمها، بحسب ما تثبته تجارب الهدن السابقة، تحديداً هدنة فبراير/شباط الماضي.
العبي الجديد