لا يحتاج المراقب الى كثير عناء ليتبين حقيقة المأزق الذي وصل اليه “حزب الله” في حربه المجنونة في سوريا، فالحزب المذكور الذي خسر في بضعة أيام ما يزيد على ثلاثين عنصرا بينهم كوادر رفيعة، في ريف حلب الجنوبي، صار على موعد يكاد يكون يوميا مع تصاعد أرقام قتلاه في سوريا، بحيث تجاوزت بحسب تقديرات ديبلوماسيين غربيين مقيمين في بيروت ألفا وسبعمئة عنصر، يضاف اليهم ضعف هذا الرقم من الجرحى! ولا تخلو قرية من الجنوب والبقاع وصولا الى الضاحية الجنوبية لبيروت من جنازات لعناصر “حزب الله” سقطوا على أرض سوريا، في حرب بات معظم البيئة الحاضنة للحزب يعتبرونها طويلة، ومكلفة، وبلا أفق، في ظل اقتناع واسع باستحالة انتصار، بل باستحالة الإفلات من “وحول” سوريا بلا هزيمة! والحال أن المتنورين في البيئة الحاضنة، وبينهم مؤيدون بقوة لـ”حزب الله” قد نزعوا من عقولهم وهم تحقيق أي انتصار في سوريا. من حجم المأزق الذي يعانيه “حزب الله” الغارق حتى رأسه في دماء السوريين، حيث ما عاد أمينه العام يعد مناصريه سوى بمواصلة القتال، من دون ان يعدهم على جاري العادة بنصر قريب، ولا بنهاية قريبة لهذا الجحيم الذي تعيشه البيئة الشيعية جراء حرب تبين انها خسارة بخسارة.
في ريف حلب الجنوبي كان فصل آخر من فصول “تراجيديا” مخيفة، وخصوصا عندما تبين ان بعض القتلى قُصّر، ما كان موتهم في ارض سوريا، وفي أبعد نقطة عن الحدود مع اسرائيل مرتجى الآباء والامهات!
طبعا ليست مقتلة ريف حلب الجنوبي آخر المطاف لخيار دفع مئات الشبان اللبنانيين دفعا الى الموت، ورميهم في جحيم سوريا. فقد يحقق “حزب الله” تقدما هنا أو هناك يبرد قلوب مناصريه، ولا سيما من يرفضون فتح أعينهم ورؤية الواقع السيئ الذي زجوا به. لكن لا الحزب بقدراته المتواضعة، ولا ألوف المقاتلين من العراقيين والأفغان المنضوين في فرق موت الايرانية قادرون على إحداث تغيير جوهري على الارض، في ظل غياب قرار اميركي – روسي واضح لترجيح كفة نظام بشار الاسد بشكل حاسم.
إذا، المطروح عمليا أمام البيئة الحاضنة لـ”حزب الله” هو تقديم المزيد من الشبان طعما للمحرقة السورية، في الوقت الذي استقر فيه الوضع في الجنوب اللبناني على “سلام” مقنع بين إيران واسرائيل!
وفيما يموت مئات الشبان المخدوعين بعيدا عن أرضهم، يستحضر سلوك “حزب الله”، ونتاج وظيفته عقوبات مالية اميركية، لم نر منها سوى اللائحة الاولى من الاسماء المستهدفة، وعددها تسعة وتسعون. وهناك معلومات تشير الى ان اللوائح يمكن ان تصل الى اكثر من ستمئة اسم، بين أشخاص وشركات ومؤسسات مختلفة، وهذه مصيبة كبرى ستشمل لبنان كله!
حان الأوان لقول الحقيقة المؤلمة … ان “حزب الله” عالق في سوريا. وعلى البيئة الحاضنة ان تنتفض وتقول لقيادة “حزب الله” كفى، اخرجوا ابناءنا من المحرقة السورية!
النهار