منذ يومين مررت بالبازار أتسوق حاجتي كالعادة كل أسبوع فأسعار البازارات مقبولة وتجد فيها تنوعاً قد لا تجده في المحلات.
بعد تجول وجدال مع الباعة ومفاصلة حط بي المسير أمام عربة متواضعة يبيع صاحبها الثوم يظهر من هيئته البساطة و الفقر وضيق الحال، أخذت ربطة من أمامه ليوزنها لي وبينما هو مشغول جاء رجل تظهر عليه هيئة الغنى من ملابسه والإكسسوارت تملأ معصمه ورقبته، أخذ ينسل من كل ربطة رأس ثوم كبير ويترك الرؤوس الصغار فنبهه البائع إلى أن فعله لا يصح فما سيتبقى لديه من رؤوس الثوم الصغيرة لن يشتريها أحد.
فكأن الرجل استضعف البائع فلم ينته عن فعله واستمر في نسل الرؤوس الجيدة، وبعد أن اجتمعت لديه حزمة من أفضل الثوم طلب من البائع المسكين وزنها أخذها بحزن وهو يتمتم لكني (لا أسامحك) ، انصرف الرجل البغيض بالثوم فرحاً بالصيد الثمين الذي اقتنصه على صوت دعاء البائع.
مشهد متكرر نعيشه يومياً يظهر فيه ظلم فئة ضعيفة من قبل أناس يظنون بأنفسهم القدرة ويعتبرون ما يكسبونه بقوة وضعهم أو مكانتهم حقا شرعيا لا يناقشون به، ولعمري إن القوة والضعف هنا أمر نسبي ففوق كل ظالم من هو أقدر منه وأبطش منه ويمكن أن يكون هو في موضع البائع المسكين.
رب قائل إن هذه المواقف من طبيعة الحياة ووجود العدل المطلق في الدنيا أمر مستحيل ونظرة مثالية خيالية، لكننا نحن السوريين بما ذقناه من العذابات وألم الفقد والتهجير نمت لدواخلنا حساسية عالية من الظلم نستطيع تلمسها في أصغر المواقف، وهو ما يزيدنا إصراراً على رفض الظلم أينما كان وكيفما كان في أدق الأمور وأعظمها.
من ينشأ على عدم المبالاة بحقوق الآخرين ولا تزعجه نفسه بالسؤال ” هل أرضى أن يعاملني الأخرون كما أعاملهم”، ستتبلد عنده كل المشاعر الإنسانية بل ستفقد كل القيم معناها مهما كان ادعاؤه أو سمته، وليس هذا الأثر السلبي قاصراً على الأفراد بل يطال المجتمعات أيضاً، إذا كانت القيمة العليا فيها هي النفعية المادية لأنها تبرر حينها ظلم الحلقات الأضعف وتهمشهم تحت شعارات البراغماتية والعملية.
محمد مهنا – مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع