في أقسى الأزمات المعيشية التي يعيشها المدنيون في سوريا والتي تضاعفت مع بداية شهر رمضان باتت صور موائد الإفطار في رمضان والمأكولات المنوعة التي كانت تشارك عبر منصات التواصل الاجتماعي وبين العوائل نفسهم شبه معدومة.
ارتفعت أسعار الخضار واللحوم في سوريا بشكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الفائتة نتيجة موجة الصقيع التي ضربت مواسم الخضار خلال أشهر الشتاء وأتلفت معظمها، وأيضاً ارتفاع أسعار الأعلاف التي سببت ارتفاعاً في أسعار اللحوم.
حاول الناشطون في المناطق المحررة بكثافة خلال شهر رمضان، نقل صورة عن الواقع وما يعانيه المدنيون نتيجة ارتفاع الأسعار، وذلك خلال تجارب شرائية على أرض الواقع مثل الناشط الإعلامي “هادي العبدالله” الذي صور تجربةً لشراء مواد الفطور بالنسبة للعامل الذي يتقاضى 40 ليرة تركية في اليوم.
رغم تحايل هادي على أن تكفي تلك الـ 40 ليرة لمواد الطبخة كاملة اشترى نصف كيلو بندورة وكيلو بطاطا وباقة بقدونس و خستين وربطتي خبز، بمبلغ 35 ليرة تركية، وبقي من تلك الأربعين 5 ليرات تركية فقط، ووقف متسائلاً، هل ستكفي تلك الخمس ليرات ثمن زيت القلي أم الغاز أم لمواد السحور، وطبعاً لم نفكر في اللحوم لأن أسعارها مرتفعة جداً.
وجبات الدراويش يعجز الفقراء عن طبخها
ينظر أبو محمد إلى محلات الخضار في بلدة كفرلوسين شمال إدلب محتاراً أي الأصناف يشتري، فهناك ما تشتهي الأعين من الخضار والفاكهة واللحوم، لكن الجيب كما يقولون “مبخوش” ولا يقدر على تلبية رغبات العين والعائلة خلال شهر رمضان.
يقول أبو محمد بكلمات ملؤها القهر “كنا سابقاً في حال وقعنا بضائقة اقتصادية نتجه إلى الخضروات لرخص ثمنها وسهولة تحضيرها، فهي لا تحتاج إلى الكثير من المواد في الطهو، وتبقى طعام الفقراء وزادهم، لكن اليوم باتت تلك المأكولات مكلفةً جداً مثلاً “مفركة الكوسا” تحتاج أكثر من 100 ليرة تركية لإعدادها بالنسبة لعائلتي”
أما مأكولات الدراويش كأكلة “الجظ مظ” فلم يعد بمقدور أبي محمد طبخها بعد غلاء البندورة ووصولها إلى أكثر من 25 ليرة تركية للكيلو “الجظ مظ أصبحت أكلة ترفيهية، نحتاج كيلو ونصف بندورة على أقل تقدير، عدا عن البصل والبيض والفليفلة، وبات أكلنا يعتمد في معظم الأحيان على البطاطا، وفي أحد الأيام مع انتهاء جرة الغاز أكلنا زيتاً وزعتراً وغالباً ما يشاركنا الجيران مأكولاتهم”
الضائقة الاقتصادية وحدها لم تتعب أبو محمد وعائلته، بل النزوح الذي أرهق كاهلهم اقتصادياً واجتماعياً “قديماً عندما كنا في بيوتنا وبلداتنا كانت الحياة الاجتماعية أفضل، أذهب إلى جارنا البقال عندما كنت لا أملك المال وآخذ ما يلزمنا بالدين، لكن اليوم لا أحد يعرفني بشكل جيد، ولا يقبل معظم المحلات التجارية إعطائي ما أريد بالدين”
ليس أبو محمد وحده من يعاني من تلك الأزمات، ففي الشمال السوري آلاف العائلات حالها يشبه حاله، وعلى عموم الأراضي السورية يعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي خلال عام 2020، في حين قالت تقارير أممية قبل أيام أنّ ثلاثة من كل خمسة سوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بعد الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية وتدهور الاقتصاد في جميع أنحاء سوريا.
قصة خبرية بقلم : إبراهيم الخطيب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع