حسب إحصاءات مشافي الداخل السوري المحرر يكون رقم 11271هو ترتيب المواطن السوري “أبو السكار” على قائمة من تأثروا جسديا؛ بسبب معاناة العبور غير الشرعي للحدود التركية، وهو واحد من مليون شخص عبروا بهذه الطريقة التي خلّفت كثيراً من المآسي والإصابات والأمراض النفسية للسوريين، ومنها حال عائلة “أبو السكار” الذي تُجبِر الدمع على أن يسيل عندما تسمع كلمات ابنه هذه “لقمة العيش التي يكسبها والدي ثقلت بكتلة الحديد التي تحملها يداه للضفة التركية”.
نطق بهذه الكلمات ابن الأحد عشر عاما عندما كنت أشتري القهوة؛ في الذهول الذي انتابني.. طبطب والده على كتفي، وأكمل: كنت أتساعد أنا وشاب على حمل كتلة ضخمة من هيكل سيارة أنهكها الزمن، وفي لحظة هلع بسبب صوت رصاص أصبح الهيكل على جسدي يمنعني من الحراك رافقه ألم صاعد من أطرافي السفلية كأنه ثورة بركان محتقن”.
لا شيء أفهمه في تلك اللحظة سوى منظر جنود مدججين بالسلاح على الضفة الأخرى من النهر، وسخونة دم يسيل، شعرت بدفئه بسبب برودة الطقس حولي.
هنا أدرك (أبو السكار 38عام) أنه أصبح رفيق العكاز المعدني.. لقد فقد عمله،وفقد قدمه بطلقة سلاح الناتو أسود اللون.
وليس بالبعيد عن أبو السكار نجد صديقه “عزام” الذي فقد ابنه محمد برصاص الجندرما أثناء محاولته دخول الأراضي التركية؛ بحثا عن عمل يساعد به أباه على أعباء الحياة وظروفها التي أضحت تحت خط الفقر بالنسبة للمناطق المحررة.
حال أبو السكار ومحمد كحال كثيرين من العاطلين عن العمل في الشمال السوري المحرر: التجؤوا إلى الحدود التركية لينتشلوا الحياة الكريمة لأطفالهم من برودة وحل العاصي.
خليل الابن الأكبر لأبو السكار عاد من مدرسته جائعا وقد وعده والده بأن الغداء سيكون (فروجا مشويا)، لأنه يوم الحساب، وقد وعده رب العمل بأن سيعطيه مكافأة على عمله المتفاني طيلة النهار؛ حين وصل خليل أدرك أن والده دفع ثمنا باهظا مقابل الفروج، ولكنه لم يكن كافيا، ما اضطره لترك المدرسة ليكمل عمل أبيه حتى يستطع أن يشتري الفروج ليأكل باقي أفراد عائلته.
“ام السكار” بعد ذهاب خليل للحدود وغيابه أصابها التعب؛ لأنها صعدت بأسطوانة الغاز للمنزل في الطابق الرابع.. ليس هذا فحسب فمن كانت تعتمد عليه لحماية حصنها ورعايته جالس في الطابق الأول ينتظرها لتساعده على الصعود “بعد أن فقد ساقه”.
كان السعي وراء الرزق يعيق حياة أبو السكار، لكن الآن أصبحت حياته من تعيق رزقه، ولا يستطيع فعل شيء سوى الصلاة والدعاء.
مقعد ابنه خليل أصبح فارغا، وطلاب صفه بدأت بالتناقص يوما بعد آخر؛ لأن والد خليل هو صديق والد عمر وحسن، وأستاذهم أكرم سيُستغَى عن خدماته؛ لعدم وجود طلاب وفي الغالب سيجبر الأستاذ أكرم ليصبح صديقا لأبو السكار.
مصطفى قريش – المركز الصحفي السوري