كثيرٌ من الشباب السوريين عانوا في ظل حكم الأسد الأب و ابنه على مر أربعة عقود من الزمن، تعاقب على الحكم فيها حافظ الأسد و نجله بشار.
جهاد شاب سوري في الخامسة و العشرين من عمره من مواليد محافظة اللاذقية، كبر بعيداً عن أهله بسبب طلاق أمه عندما كان صغيراً في السن ليعتمد على نفسه في تكوين ذاته خلال مسيرة حياته.
لم يستطع جهاد إكمال مسيرته التعليمية بسبب وضعه الأسري، فعمد إلى البحث عن فرصة عمل تسد رمقه و تعيله في قضاء احتياجاته الخاصة، و بعد جهد كبير عثر جهاد على فرصة للعمل في إحدى ورشات الخياطة في مدينته، فسارع إلى تعلّم المهنة في وقت قياسي و احترفها حتى نال عمله إعجاب صاحب الورشة، و لكن و بعد فترة اضطر إلى إغلاق ورشته و نقلها إلى بلده الأم دمشق، فأصرّ على جهاد حتى يقوم بالذهاب معه، لينطلق جهاد في مرحلة جديدة في حياته.
أكمل جهاد حياته في كنف معلّمه دون رقابة أسرية بعد أن ترك أهله، مما أدى لمصاحبته لعدد من الشباب الذي دفعوه للانحراف و دفع كل الأموال التي يجنيها في بيع و شراء المخدرات و تعاطيها.
بلغ جهاد سن خدمة العلم الإلزامية فذهب لتأديتها بعد أن تم فرزه إلى إحدى النقاط العسكرية في دمشق، فلم يستطع جهاد بسبب تعاطيه الكبير للمخدرات أن يبتعد عن تلك الأمور، فأصبح يقوم بتوصية أحد معارفه على إحضار كميات من المخدرات و الحشيش إليه بين الحين و الآخر، لتقوم في إحدى الليالي قوات الحرس الليلي في قطعته العسكرية باعتقاله بالجرم المشهود و اقتياده للسجن العسكري.
حُكم على جهاد بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة تعاطي المخدرات و الاتجار بها، ليقضي باقي فترة خدمته للعلم داخل السجن دون اهتمام أحد من عائلته بأمره.
ست سنوات مرّت على فترة اعتقال جهاد، ليبدأ بعدها الحراك الثوري في سوريا في منتصف آذار/مارس من عام 2011 و جهاد و أمثاله من الشبان الذين يقبعون في السجون ليسوا على دراية بما يدور خارج القضبان و لا يعلمون بأن شعباً بقى تحت حكم بعثي أكثر من 40 سنة قد انتفض و حطّم القيود التي كانت تطوّق يديه.
و بعد أربع سنوات من انطلاقة الحراك الثوري في سوريا، انتهت محكومية جهاد، ولكن بعد تفاقم الأزمة السورية و سوء الوضع العسكري لقوات النظام و خساراته الكبيرة على السبيل البشري، عمد النظام السوري إلى إصدار قرار ينص على سحب الشباب لخدمة الاحتياط العسكري، فأفرجت سجون الاعتقال عن جهاد إلّا أن آمال جهاد بالخروج من السجن و العودة إلى مدينته و إكمال حياته الطبيعية قد خابت، بعد أن زجت قوات النظام بجهاد على إحدى جبهات حلب المشتعلة دون أن يعلم جهاد في صفوف من يقاتل أو من يواجه في ساحة المعركة.
بقي جهاد يقاتل على تلك الجبهة دون معرفته بشيء، بعد أن أوهمه قاداته في أن من يواجههم هم من الإرهابيين و المندسين المسلحين الذين يساهمون في تخريب البلاد، و في إحدى الليالي كان جهاد من ضمن عناصر نوبة الحرس ليتفاجأ هو و رفاقه بقذيفة تنفجر على مقربة منهم و تنتشر شظاياها لتأكل من أنحاء أجسادهم.
هنا كانت نهاية جهاد، فبعد شظية دخلت في رأسه و أخرى في عنقه، استقرّ في غيبوبة لمدة يومين لم يفق بعدها، فكانت الصدمة الأكبر لأبيه عندما اتصل رفاق ولده به ليخبروه بأن جثمان ابنه سيصل إلى مشفى تشرين العسكري في اليوم التالي ليذهب و يستلمه من هناك، مودّعاً جهاد حياةً ملؤها الأسى و العذاب بعد تخليه عن أهله و وقوعه في سجون الأسد التي لاقى حدفه بسببها.
حياةٌ بائسة و أليمة قضاها الكثير من الشبان كحالة جهاد، فلم يكفيهم فقط ما لاقوه في أقبية سجون الأسد لينتقلوا بعدها إلى خدمة إجبارية يسلب الأسد فيها منهم أرواحهم و يقدمها تضحية من أجل كرسيه و حكمه و حبّه للسلطة.
المركز الصحفي السوري – محمد تاج