قصة خبرية بقلم رنا توتنجي
تبنى أسس الأسرة على القامة الزوجية، ليؤدي كل من الزوجين دورهما في بناء المجتمع فقد جعل الإسلام من واجبات الزوج الإنفاق على الأسرة وتأمين الأمان النفسي والمادي لها.
ولا يخفى عنا دور الأم والزوجة الأرملة التي فقدت زوجها نتيجة ظروف مختلفة، فبعضهن استشهد زوجهن والبعض الآخر توفي عنهن لتجد نفسها أرملة وحيدة تنهال دموعها لتستيقظ على واقع مرير أجبرها على تحمل مسؤولية كبيرة لتؤدي دور الأم والأب في آن واحد، وكأن الأيام لطمتها صفعة قوية، حيث نجد بعضهن نجحن في إتمام المهمة التي أوكلت إليهن في تربية الأطفال على القيم الصحيحة و المبادئ الأخلاقية والإسلامية، عدا عن دورها الأساسي في متابعة دراستهم وتنظيف المنزل وتأمين احتياجاتهم الجمّة لتقف أمام التحدي ثابتة للمهام التي طوقت عنقها وأرهقت كاهلها يضرب بها المثل والقدوة لتقوم بأداء المهمة على أكمل وجه.
السيدة {ن }امرأة شاءت لها الأقدار أن تصبح أرملة بعد موت زوجها ومعانتها معه خلال مرضه وتقديم الغالي والنفيس لأجل تربية أولادها ومتابعة دراستهم، ليصبحوا منارة للمستقبل فهي تعي تماما مسؤولية ذلك واستطاعت أن تغطي دور الأب والأم من توفير مصروفهم، حيث عملت بتصميم الأزياء والخياطة ووفرت متطلبات أبنائها.
تروي السيدة {ن } قصتها :توفي زوجي وأنا في الأربعين من عمري تاركا لي ست شموع ينيرون حياتي و يملؤونها سعادة وفرحا رغم كل الآلام التي تركها فقدان أبيهم إلا أنني حاولت جاهدة تقديم العطف والحنان كي لا أشعرهم باليتم بعد وفاة أبيهم.
وتابعت: تفرغت كل حياتي لأبنائي ورفضت الزواج لأنني متيقنة أن الله سبحانه مدبر الرزق للنملة في جحرها، ولم أيأس رغم صعوبة ذلك الأمر، لجأت إلى الله وفوضت أمري له، وكثيرا ما قضيت الليالي في الدعاء والرجاء لأرى أبنائي أصحاب شان عظيم في المجتمع وكنت متفائلة بقوله تعالى : /من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب/.
استأنفت : عانيت كثيرا أعباء الهموم والأحزان وكنت بعيدة جدا عن المشاغل البالية التي تشغل معظم النساء “من قيل وقال وغيبة ونميمة” ولم يكن لي معينا غير الله تعالى وقوة ايماني التي تملأ قلبي وتدفعني على الصمود والعزيمة والإصرار لأكمل طريقي، متحدية كل المخاطر.
كرست حياتي لأولادي متمسكة بالصبر والطاعة لله عز وجل لأحسن رعايتهم، وأحاول أن أجيد التصرف فيما أفعل، قدمت لهم كل الحب والحنان الذي يحتاجونه لأكون قدوة في عيونهم وأثبت كفاءتي لتجاوز الأزمات، كان جل تفكيري الذي يشغلني سعادتهم رغم ما عانيته في تأمين نفقات دراستهم، كنت مصرّة على إيصالهم لمرحلة من العلم ليصبحوا قادرين على إثبات وجودهم وتقديم ما ينفع مجتمعهم.
وصل أولادي لمرحلة جيدة وبدأت أرى ثمار ما زرعت، لأرى أبنائي قد كبروا وأصبحوا ناجحين حتى بناتي درسن في الجامعات وأصبحن معلمات يقدمن العلم والمعرفة وساعدوني في تأمين احتياجات المنزل ونفقاته، وتزوج ابني الأكبر وأصبحت جدّة لحفيد ملاك، وكذلك تزوجت ابنتاي وأنجبتا لي أربعة أسباط يزهرون حياتي.
الأرملة في الإسلام مكرّمة نالت الاهتمام والرعاية، حيث نجد أكثر اللاتي تزوجهن الرسول الكريم من الأرامل، وجعل الإسلام رعايتها من القربات لله تعالى مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عن أبي هريرة : {الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار} رواه البخاري
ولقب الأرملة ليس معيبا كما يعتقد البعض فهي زوجة فقدت زوجها ولا ذنب لها أن تمنع من حقها في الحياة الكريمة، لا سيما المرأة الأرملة التي ضحت بعمرها في سبيل تنشئة أبنائها على الطريق القويم، وايصالهم لمراكز هامة في الحياة.
وإذا كان الله سبحانه أعدّ للأم المنزلة العظيمة في الجنة، فيجب على المجتمع أن يحفظ للمرأة هذه المكانة ويعينها على أداء رسالتها ولا يستغل ضعفها.
ومن أدلة عناية الإسلام بالمرأة تقديمها على الرجل في الصحبة حين قال الرسول الكريم : في الحديث أمك ثلاثا ثم أبوك، أضف الى ذلك الأم المترملة وثوابها العظيم في تربية الأبناء .
يشار أن المجتمع بدأ يتقبل وجود المرأة الأرملة ويقبل الزواج منها ولا يجد في ذلك حرجا بل ويعينها في تربية أبنائها ويقدم لهم العون المادي والمعنوي من كافة الجوانب لتصبح عضوا فاعلا في المجتمع.
المركز الصحفي السوري