” العلم يرفع بيتاً لا عماد له و الجهل يهدم بيت العز والكرم ” .. هذه العبارة التي خطتها يداي على سبورات الصفوف التي وكلت بتدريسها مادة اللغة الإنكليزية، رغم توصيف حياة المعلم بالروتينية إلاّ أن مقابلة الطلاب تضفي روحا جديدة على حياتي كلّ يوم.
يقول الاستاذ “محمود أبو يزن” مدرس مادة اللغة الإنكليزية في إحدى مدارس ريف ادلب الجنوبي، والشوق لجدران المدرسة التي عمل بها يرتسم في بؤبؤ عينيه فتصوّرها عدسات نظّارته كصرح عظيم لا يمكن إخفاؤه.
“كان كلّ صباح يحمل في طيّاته أملاً جديداً وحباً للحياة أراه متجذراً في قلوب الطلاب”، ” رغم هشاشة جدرانها وتشققات صفوفها إثر قصف النظام المتكرر للمنطقة إلاّ أنها كانت بيتاً لأحلام الكثيرين من طلابنا المجتهدين”.
وبنظراته السريعة حول المكان، يقارن الأستاذ محمود بين الماضي والحاضر ويقول “كانت الشقوق تعج بين جدران المدرسة و كانت سبورة الصف الثامن مكسورة من منتصفها وسبورة الصف السابع شعبة باء مكسورة من زاويتها اليمنى العليا و لم يثبت في وجه هدير القصف والطائرات لا باب ولا نافذة، إلاّ أنها أفضل من الخيام التي لا تقي برد شتاء ولا حرّ صيف”.
ويكمل حديثه “حتى الشقوق والشظايا التي أصابت جدرانها أمست ذكريات نستذكرها في جلساتنا بين الخيام المهترئة أكثر من قلوبنا”.
أزاح نظارته عن عينيه وأردف قائلاً “أضطررنا لترك بيوتنا وأضطر طلابنا لترك المدرسة بعد استهدافها من قبل طائرات النظام في الحادي عشر من تشرين الأول 2017، وتوجهنا إلى المخيمات حيث تموت الأحلام من البرد والحر”.
نفخ بتنهيدة يشوبها الألم عدسات النظارة ليمسحها و يمسح عنها غشاوة القهر و الشوق واسترسل قائلاً “رغم قلة معدّات التدريس ورغم افتقار الخيام لمكونات المدرسة وافتقارها أسباب الراحة للطلاب، إلاّ أننا نسعى بما يتوفر لدينا من معدّات أن نكمل طريق أحلام ابنائنا الطلاب حمايتها من الضياع”.
وبإشارة إلى أحد المارة من بين الخيام يقول الأستاذ “ذلك أحمد أحد طلابي القدامى، و قد أصبح في الثانوية و الذي يأمل أن ينتفض بأحلامه من بين أقمشة الخيام التي أثقلها غبار الصيف وهموم القاطنين”.
ويقول أحمد الشاب الواثق من نفسه والحالم رغم الظروف ” كثيراً ما نستذكر الأيام الخوالي في مدرسة القرية قبل النزوح و هذا ما يعطيني حافزاً لاستثمار كل دقيقة وبذل كل جهد لتحقيق حلمي وإكمال دراستي”.
و بإبتسامة عرفان للمعروف و رد للجميل يقول أحمد و عيناه تتجهان تجاه الأستاذ محمود “رغم صعوبة الوضع وصعوبة تشبيه هذه الخيام المهترئة بالمدرسة إلاّ أن وجود الأساتذة نفسهم يكون كفيلاً بقبول الخيام كمدرسة نكن لها كل الاحترام فالمدرسة ببناتها و أساتذتها وليست بأبنيتها”.
أكثر من 3800 مدرسة دمرت بشكل كامل و أكثر من 68 منشأة تعليمية تضررت بنسبة 11-90% دفنت تحت ركامها الكثير من أحلام طلابها وآمالهم بمستقبل كانوا يظنون أنه سيكون أفضل.
محمد المعري
المركز الصحفي السوري