واستطاع مخلوف من خلال مقطعين مصورين يشكو فيهما محاصرته والضغط عليه لتصفية شركات، كسب تعاطف عدد كبير من أهالي الساحل، لا سيما في مسقط رأسه جبلة بسبب نشاط وتأثير جميعة “البستان الخيرية” التابعة له على مدى أعوام في دعم أبناء منطقته، وتوظيف عدد كبير منهم في شركاته.
ورغم انتهاز البعض الصراع للإفصاح عن قناعات قديمة بوجود فساد كبير في النظام يدفع فقراء المنطقة الساحلية وآخرون ثمنه، إلا ان البعض ما زال في جبلة يصر على عدم التنازل عن استخدام مصطلح “الأستاذ رامي” وعدم إنكار فضله أو التقليل من مكانته باعتباره أحد أفراد عائلة الأسد.
لا يحبذ كثر من الموالين للنظام إلقاء اللوم على رئيسهم بشار الأسد في هذا الخلاف، ويتذرعون في الدفاع عن مخلوف باتهام الحكومة فقط والوزراء بأنهم المسؤولون عن استهدافه.
وجبلة هي أكبر المدن التي تتبع لمحافظة اللاذقية بالساحل السوري، وتبعد نحو 25 كيلومترا عن مدينة اللاذقية، ويزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة، وتعد المعقل الرئيسي لأنصار رامي مخلوف كونها مسقط رأسه ويقع فيها المركز الرئيسي لجمعية “البستان” التي أسسها لدعم لجان الدفاع الوطني في بداية الثورة.
كما تضم جبلة خليطا سكانيا، وشهدت في بداية الثورة السورية عمليات نزوح كبيرة لمعارضي النظام من أبنائها.
وتنقسم جبلة منذ سنوات إلى أحياء تصنف وفق ولائها للنظام السوري (مؤيدة ومعارضة)، وإن كانت سيطرة الأجهزة الأمنية عليها جميعا واضحة، إلا أن دوريات الأمن تركزت خلال اليومين الماضيين بشكل واضح في أحياء الجبيبات والعمارة وضاحية الأسد وضاحية المجد (الموالية) على غير العادة خلال السنوات الماضية.
وسط حي العمارة تتابع شركة “سيرتيل”، التي يملكها مخلوف، تقديم خدماتها للمشتركين، أما جمعية “البستان” فقد توقفت منذ عدة أشهر عن استقبال أي زائر جديد بعد إعلان إعادة هيكلتها وتغيير مدرائها لتصبح تابعة، كما يقال، لأسماء الأسد (زوجة بشار)، بدلا من مخلوف.
وسط مدينة جبلة عند ساحة السينما، تبدو حركة السوق، الذي يشكل ملتقى أهالي الريف والمدينة، طبيعية ولا تغيب الأحاديث المعتادة عن التطورات السياسية والميدانية، لكن الآراء حاليا أكثر انقساما من السابق. وبينما يبيع التاجر أبو علي الخضار لزبائنه يكمل حديثه مع جاره، مؤكدا أن ما يحصل هو أكبر من الجميع، لكنه بالطبع لن يكون خيرا على أبناء المنطقة، وفق رأيه.
أما على صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، فتشتعل حدة الخلافات بشكل أكبر، التي كان أبرزها اتهام معلقين لمدير إحدى الصفحات الموالية المعروفة في اللاذقية بأنه تابع لأحد الأجهزة الأمنية بسبب اتهامه لرامي مخلوف بالفساد، ومطالبتهم له بالاعتذار.
وفي حي الجبيبات، الذي يقع شمالي المدينة، تحول واحد من هذه النقاشات إلى شجار بين بضعة شبان استخدمت خلاله العصي والحجارة.
ورغم كثرة الإشاعات التي تتداول إلا أن أي إجراءات أمنية جديدة لم تتخذ على طريق جبلة – اللاذقية، إذ بقي حاجز أمني وحيد ما زال موجودا منذ سنوات طويلة عند مدخل المدينة وفيه عدد قليل من العناصر، بينما الطريق المؤدي إلى قاعدة حميميم الروسية مغلق كالعادة بوجه المدنيين.
في ريف جبلة، الذي يعتبر الخزان الرئيسي لقوات النظام ومليشياتها وعلى الطرق المؤدية إلى القرى الشرقية باتجاه بيت ياشوط وحتى سهل الغاب بحماه، ما زالت بعض المليشيات في المنطقة تقيم حتى اليوم حواجز عسكرية رغم إعلان النظام عن حلها. وتتمتع هذه المليشيات بسلطات قوية بعضها يعود لأبناء عمومة بشار الأسد، مثل ابن طلال الأسد، بالإضافة لمجموعات مسلحة أخرى تتبع لعائلات معروفة في الساحل السوري، مثل آل خير بيك وجديد وشاليش ومخلوف.
يخشى عبد الله، وهو موظف في مدينة جبلة يخفي معارضته للنظام، من تداعيات أي معركة جديدة في الساحل السوري، ويؤكد في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن سيناريو خلاف رفعت الأسد وأخوه حافظ (رئيس النظام السابق)، قد يعاد من جديد، وسيكون السوريون، برأيه، كالعادة، الخاسر الأبرز، حيث فاز أحدهما بالسلطة لسنوات طويلة والآخر بخزينة الشعب السوري.