إدفع تسلَم…
بهذه العبارة أو فحواها تحدّث المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب عن مفتاح التحالف أو الشراكة مع أي دولة في العالم، في حال تمكّن من الدخول إلى البيت الأبيض، لاستعادة «قوة أميركا ومجدها» وهيبتها التي يظن أنها ضاعت، نتيجة تردُّد باراك أوباما وعجزه. وبعدما أطلق في بداية حملته الانتخابية وعوداً لانتشال الولايات المتحدة من «كبوتها»، أعلن بوضوح، في المناظرة التلفزيونية مع المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، أن معيار التحالف مع أميركا المدافعة عن الحريات، سيكون دفع الطرف المتحالف معها الفاتورة المناسبة.
بالتالي، أميركا التي برّرت لعقود طويلة خوضها حروباً بالدفاع عن «القيم الديموقراطية» في العالم، يريدها البليونير ترامب مجرّد شركة حراسة، مثل «بلاك ووتر» في العراق، أو جيش مرتزقة لمن يدفع أكثر.
وبمنظار المصالح الأميركية التي رأى أوباما أن الدفاع عنها يقتضي عدم الانزلاق في صراعات المنطقة وحروبها، وعدم التضحية بالدماء الأميركية، تبدو طروحات ترامب مكمّلة لتلك الفلسفة، مع فارق وحيد، هو افتراض أن تقبض واشنطن الثمن، كلما ارتأت إنقاذ «حليف»، ولو بالتدخُّل عسكرياً.
وإن كان إحباط الناخب الأميركي يترجم قلقه على مصيره ومصير قوة كانت عظمى قبل عهد أوباما، فالمفاضلة بين ترامب وهيلاري قد لا تعني الكثير للعرب الغارقين في دماء الخرائط، التائهين بين بحور التشرُّد وصحارى المخيمات… إذا استُثني طيش ترامب وغروره اللذان يجعلان قيادته الجيش الأميركي، كارثة كبرى للولايات المتحدة وللعالم.
في تنديده بجر كلينتون (وأوباما) المنطقة إلى «الفوضى العارمة»، قد يشيع ترامب وهماً بأنه يحبّذ استقرارها، وهو تعهّد اقتلاع «داعش»، وإن كان لا يعلم بأي ثمن… ويتجاهل أيضاً أن وعده بالاعتراف بالقدس «عاصمة موحّدة لإسرائيل» ليس من شأنه سوى زيادة مشاعر اليأس والكراهية والحقد، وتغذية إرهاب «داعش» وسواه.
وأما إشادته بالرئيس فلاديمير بوتين، للإيحاء باستعداده للتعاون معه في إدارة أزمات العالم، فلا تبشّر العرب إلا بمزيد من الحروب والكوارث. لا أحد سيكترث الآن لصمت ترامب على المذبحة الكبرى في حلب، وما يفعله الروس ليحقق النظام السوري «انتصاره». تتبدّد مع الإبادة في حلب كل سيناريوات «بيع» الكرملين النظام بالتقسيط، حماية للمصالح الروسية. وأن يصبح البليونير سيد البيت الأبيض، فذاك سيعني أن مصير حرب كلّفت السوريين حوالى أربعمئة ألف قتيل، سيصبح بين يدي ترامب وبوتين… إما أن يجدد الأول تفويض الروس مهمة إدارة الحرب والحل، وإما أن يندفع لتشجيع خيار تقسيم سورية، لتفادي خسارة واشنطن كل الأوراق.
في الحالين، الكارثة للسوريين يُرجّح أن تتزامن مع تأجيج الصراع المذهبي في العراق، لدفع الشيعة والأكراد والسنّة إلى خريطة الدويلات، بعد دحر «داعش» في الموصل.
«إدفع نحارب» لحمايتك، شعار افتراضي لرئيس محتمل، لكنه في كل الأحوال يعكس حجم المأزق الذي يتخبّط به الأميركيون، والنتائج البائسة لتدمير سياسة إدارة أوباما الثقة بحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، باستثناء إسرائيل.
في ليبيا، حمّل الأميركيون الأوروبيين وزر الفشل في صوغ استراتيجية لليوم التالي بعد إطاحة نظام القذافي. في اليمن، تغاضت واشنطن عن تسليح إيران الحوثيين، لتمرير الاتفاق النووي… وفي سورية تكتفي إدارة أوباما ببيانات التنديد بين مجزرة وأخرى، فيما مجلس الأمن معطّل، والأمم المتحدة مغيّبة، وأوروبا محاصرة بضربات الإرهاب وأعباء موجات المهاجرين.
الكرملين يتحدّى الجميع، وواضح أنه يسعى إلى الحسم مع المعارضة السورية في حلب، تحت غطاء ضرب الإرهاب وجماعاته. وفيما واشنطن «مذهولة بتلك الوحشية»، عين تركيا على المسلحين الأكراد.
ألم يعلن النظام السوري أنه يريد «الانتصار»؟ يستعجل وإيران الهجوم البري في حلب، ولا تأبه موسكو للغضب الأوروبي، فالتوقيت حاسم فيما أميركا منهمكة بالانتخابات، ولن يقْدِم أوباما في أسابيعه الأخيرة على ما تردَّد سنوات في فعله لإنقاذ الشعب السوري.
ورغم كل الغبار، والدمار الذي يزرعه القصف الروسي على حلب، لفرض استسلام المعارضة السورية، هل مازال ملتبساً فهم دوافع التصعيد الإيراني ضد المملكة العربية السعودية، عشية «معركة حلب الكبرى»؟
مع هيلاري رئيساً أو ترامب، بوتين سيواصل نهج الحسم العسكري في سورية، وأما «عملية السلام» فمجرّد دخان للتضليل.
زهير قصيباتي_ الحياة