اتصالات مكثفة بين دول كبرى وإقليمية والأطراف السورية لحل ثلاث «عقد» وتوفير ظروف استئناف مفاوضات السلام في جنيف بدءاً من 17 الشهر الجاري على أمل حصول جولتين من هذه المفاوضات قبل بداية آب (أغسطس) المقبل، الموعد الذي حدده وزير الخارجية الأميركي جون كيري «هدفاً لبدء المرحلة الانتقالية» في سورية.
وكان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا اقترح عقد المفاوضات في نهاية الشهر الماضي، لكن اللافت كان أن كيري طلب منه تأجيل ذلك الى حين توفير الظروف المناسبة في ضوء اجتماع المؤتمر الوزاري الأخيرة لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» خصوصاً في مجالي المساعدات الانسانية ووقف العمليات القتالية، اضافة الى تعزيز الوفد المفاوض لـ «الهيئة التفاوضية العليا» المعارض وتوسيعه ليضم ممثلي كتل سياسية أخرى.
بالنسبة الى وفد المعارضة، اتخذت «الهيئة» في اجتماعها في الرياض سلسلة قرارات على أن تبت في اجتماع آخر بعد عشرة ايام في اقتراح «كبير المفاوضين» وممثل «جيش الاسلام» مصطفى علوش الاستقالة وتجاوب رئيس الوفد اسعد الزعبي معه، وعودة يحيى قضماني عن الاستقالة، اضافة الى بحث موضوع ضم ديبلوماسيين منشقين و «معتدلين» وتكنوقراط الى الوفد.
وبين القرارات الأخرى التي اتخذتها «الهيئة» تشكيل لجان لتوسيع التمثيل بينها لجنة تضم المنسق العام لـ «هيئة التنسيق» حسن عبدالعظيم وزميله أحمد العسراوي وممثل «المجلس الكردي» عبدالحكيم بشار وسهير اتاسي للتواصل مع «المجلس الوطني الكردي» وممثلي مجموعتي القاهرة وموسكو ورئيس «الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي» عبدالحميد درويش وأطراف كردية أخرى.
وعُلم ان مسؤولاً في «الهيئة» عرض على منصتي القاهرة وموسكو تقديم عشرة أسماء الى «الهيئة» التي تضم حوالى ثلاثين عضواً، لكن قيادياً في هاتين الكتلتين تمسك بالمناصفة في الوفد المفاوض بحيث يضاف ثمانية اعضاء اليه: اثنان من مجموعة موسكو، واثنان من مجموعة القاهرة، واثنان من «الاتحاد الوطني الكردي» برئاسة صالح مسلم او الادارات الذاتية، وشخص من «مجموعة الاستانة» وآخر من «مجموعة حميميم».
ويُعتقد أن تمثيل الأكراد سيكون أحد المسائل التي ستخضع الى كثير من المفاوضات والتجاذب الإقليمي، علماً أن فريق المبعوث الدولي سار خطوة باتجاه تواصل اضافي مع «الاتحاد الديموقراطي» في أنه ارسل الى الادارات الذاتية الأسئلة الـ 29 التي كان وجهها الى جميع الأطراف السورية وتتعلق بالانتقال السياسي والهيئة الانتقالية، اضافة الى انه التقى في الجولة السابقة في النصف الثاني من نيسان (ابريل) بمجموعتي القاهرة وموسكو.
وشملت قرارات «الهيئة» تشكيل لجان للتواصل مع «شخصيات وطنية وفعاليات اجتماعية» و «لجنة للتواصل مع منظمات المجتمع المدني المختلفة ولجنة للتواصل مع مراكز الفكر الوطنية والتنسيق معها لإمكانية اقامة ورشات عمل مشتركة والاستفادة من خبراتها» وأخرى لـ «التواصل مع المراكز الاعلامية الوطنية الموالية للثورة والمعارضة».
وبالنسبة الى الملف الانساني، بدا موضوع اسقاط المساعدات جواً أعقد مما صيغ في البيان الختامي لـ «المجموعة الدولية» في فيينا الشهر الماضي، لدى اضافة عبارة بناء على طلب وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند تضمنت اقتراح بحث اقامة جسر جوي وإلقاء مساعدات جواً اذا لم تسمح دمشق اعتباراً من اول حزيران (يونيو) إدخالها الى المناطق المحاصرة التي زاد عددها في الفترة الأخيرة عن 18 منطقة.
وقال ممثل بريطانيا غاريث بايلي في رسالة الكترونية الى «الحياة» أمس، ان «استمرار عرقلة وحجب المساعدات الإنسانية غير قانوني» وانه على رغم قرار «المجموعة الدولية» والطلب من اعضاء المجموعة «ممارسة نفوذهم للتأثير على الأطراف على الأرض لضمان وصول المساعدات الإنسانية بالكامل وباستمرار ومن دون أي عراقيل واصل نظام (الرئيس بشار) الأسد منع وصول قوافل المساعدات وأزال منها الإمدادات الطبية ومنع دخول الأطباء والممرضين ورفض إجلاء المحتاجين لرعاية طبية».
وأضاف: «الواقع هو أن الغالبية العظمى من المناطق يحاصرها النظام السوري، وفي الكثير من الأحيان رفض النظام بدخول المساعدات نهائياً. ولهذا تفسير واحد فقط: الأسد يستغل التجويع كسلاح حرب»، لافتاً الى أن أعضاء «المجموعة الدولية» بينها روسيا وايران «التزمت بذل جهود أخيرة لإقناع النظام بإدخال المساعدات من طريق البر بحلول الأول من حزيران… ولا يزال خيار إسقاط المساعدات من الجو لكافة المناطق المحاصرة المحددة هو الملاذ الأخير وهذه طريقة مكلفة ومعقدة لإيصال المساعدات، لكن من الضروري أن نفي بهذا الالتزام وبريطانيا مستعدة تماماً لفعل ذلك».
وتبلغت الأمم المتحدة قبل ايام ضرورة الحصول على موافقة دمشق لإسقاط المساعدات جواً، ما أعاد الأمور الى المربع الأول لاختبار نيات الدول العظمى لتنفيذ وعودها وتحويل البيانات الى اعمال، اضافة الى أنه وضع الدول الغربية في اختبار ارسال طائراتها لاسقاط المساعدات من دون موافقة دمشق.
وأضيف أمس عاملان اضافيان تمثلا في تصعيد القصف على مدينة داريا جنوب غربي دمشق التي كان مقرراً ان تدخلها المساعدات، كما أن ممثلي الحكومة السورية اعتقلوا أربعة أعضاء من اللجنة التفاوضية في حي الوعر المحاصر في حمص، قبل اطلاقهما مقابل الإفراج عن حوالى 12 عنصراً من القوات النظامية.
بالنسبة الى الهدنة، استمر القصف والمعارك في مناطق مختلفة والهجوم على غوطة دمشق وحلب، وأضيفت عقدة تمثلت في اقتراح موسكو ابتعاد فصائل مقاتلة عن «جبهة النصرة». ووفق المعلومات، فإن موسكو وضعت واشنطن أمام خيارين: اما التعاون بين الجيشين الروسي والأميركي لتحديد مناطق انتشار «النصرة» ثم تنفيذ عمليات مشتركة ضد هذا التنظيم المصنف على القوائم الارهابية او انها (روسيا) ستقوم بعمليات أحادية ضدها وتضرب مناطق انتشار «النصرة» المتداخلة مع فصائل اخرى خصوصاً في «جيش الفتح» في محافظة ادلب.
ولم توافق واشنطن على اقتراح التعاون المشترك لأسباب عدة بينها ان «التعاون المشترك يعني عمليات تبادل المعلومات الأمنية والعسكرية بين روسيا وحلف شمال الاطلسي (ناتو)»، وهو أمر معقد يتعلق بالسياسات الدولية والعلاقة بين الطرفين في اوروبا. لكن التعاون الاستخباراتي بين الاميركيين والروس لا يزال قائماً في جنيف وعمان لمعالجة خروق اتفاق «وقف العمليات القتالية». وأرجأ الجيش الروسي ضرباته الأحادية التي كانت مقررة الأربعاء الماضي، لكن الغارات على ادلب مساء أول أمس، أرسلت إشارة الى النيات الروسية وسط دعوة دول غربية المعارضة للذهاب الى جنيف والتفاوض لـ «لحاق» البرنامج الزمني للعملية السياسية قبل دخول هذه الدول في موسم الإجازات والانتخابات الأميركية في آب.
الحياة