تأتي التسريبات عن نضوج نوع من توافق أميركي ـ روسي بخصوص سوريا (راجع “العرب” اللندنية عدد 22 يوليو 2016) لتؤكد أن تقرير وضع النظام السوري ومصير السوريين بات في أيدي القوى الخارجية الدولية والإقليمية، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأميركية وروسيا؛ مع إدراك الفارق بين الطرفين لصالح الأولى. وهذا الاستنتاج هو تحصيل حاصل لخروج الشعب، أو إخراجه، من المعادلة الصراعية بسبب حال الحصار والتهجير والصراع المسلح، التي تعرض لها السوريون منذ عدة أعوام، وتاليا لذلك تعذّر قدرة أي طرف من الطرفين المتصارعين على حسم الوضع لصالحه، إذ لا النظام استطاع هزيمة المعارضة، ولا المعارضة استطاعت إسقاط النظام، ناهيك عن تحول سوريا إلى ساحة صراع للقوى الدولية والإقليمية؛ هذا أولا.
ثانيا، إن هذه التوافقات تفيد بأن النظام والقوى المتحالفة معه (روسيا وإيران) استطاعا حرف الصراع من كونه صراعا بين النظام وأغلبية الشعب، من أجل التغيير السياسي وإقامة نظام ديمقراطي، إلى كونه صراعا ضد الإرهاب، إذ على رغم بقاء الصراع الأول، إلا أن الصراع الثاني طغى على المشهد، وبات يحتل أولوية عند القوى الدولية والإقليمية، على خلفية الأعمال الإرهابية التي باتت تضرب في هذا البلد أو ذاك، لا سيما في أوروبا، هذا إضافة إلى ارتدادات تزايد أعداد اللاجئين إلى البلدان الأوروبية، والتداعيات الناجمة عن ذلك.
ثالثا، هذه التوافقات تفيد بأن ملف سوريا بات في يد روسيا على حساب إيران، وذلك باعتراف الولايات المتحدة بهذا الواقع، أي أن ذلك سيفضي إلى تحجيم مكانة إيران في سوريا، وتحجيم دورها في تقرير مصير هذا البلد، وربما نشوء نوع من التباين بينها وبين الطرف الروسي، على هذه الخلفية، ومعنى ذلك أن المساومة الحقيقية في هذا الشأن هي بين روسيا والولايات المتحدة.
أما بخصوص التوافقات الحاصلة فثمة ما هو إيجابي فيها وما هو سلبي، مع تأكيدنا على عدم قدرة السوريين على فرض إرادتهم، وهذا ينطبق على النظام وعلى المعارضة. هكذا فمن ناحية الإيجابيات يمكن القول إن أي اتفاق يتضمن نوعا من الحظر الجوي أو وقف القصف بالبراميل المتفجرة يحتل أعلى سلم الأولويات، وهو ضروري جدا للسوريين، للتخفيف عن معاناتهم ووضع حد لتشردهم، وهو عامل قوة للثورة السورية، مع علمنا أن الذي يملك قوة نيران، ويملك قوة القتل والتدمير هو النظام السوري (وحلفاؤه)، وهذا أمر ينبغي إدراكه بعيدا عن العواطف، خاصة مع علمنا بضعف الجيش الحر، وضعف جماعات المعارضة المسلحة، أي أن هذا اتفاق ينبغي استثماره والبناء عليه. ثانيا، تضمن الاتفاق التأكيد أكثر من مرة أنه ينبغي أن يفضي إلى حل سياسي انتقالي، وفقا لإعلان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، وإقامة هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، وهذه نقطة ينبغي التأكيد عليها وتعزيزها.
أما بالنسبة إلى المخاوف المشروعة التي يمكن أن تنشأ من هذه التوافقات، فهي تتعلق، أولا، بإمكان تلاعب النظام، وروسيا، بهذا الأمر والتملص منه، كما حصل في التوافقات السابقة، أي أن الوضع يتطلب ضمانات تفيد بأن الإدارة الأميركية حسمت موقفها، وأن الأمر ليس متروكا لروسيا. ثانيا، أن الاتفاق على التركيز في محاربة داعش وجبهة النصرة لم يستكمل بالميليشيات الأخرى التي تقاتل مع النظام، وهي قوات حزب الله اللبناني وكتائب أبوالفضل العباس ولواء فاطميون ولواء نجباء وغير ذلك من الميليشيات العراقية، إضافة طبعا إلى قوات الحرس الثوري الإيراني. ثالثا، ثمة خشية من استغلال روسيا لهذا التوافق بحيث تحاول من خلاله إعادة تعويم النظام، بشكل أو بآخر.
مع كل ذلك، فإن المشكلة تبقى في مراجعة المعارضة لأوضاعها، أي لكياناتها السياسية والعسكرية والمدنية، وفي قدرتها على استعادتها لخطابها بخصوص إنهاء نظام الاستبداد، وإقامة دولة مواطنين أحرار ومتساوين، دولة ديمقراطية مدنية.
العرب