بدا أمس أن انتقادات الولايات المتحدة حلفاءها الأتراك والأكراد في الحرب ضد تنظيم «داعش» نجحت في فرض تهدئة للمواجهات التي دارت بينهما في الأيام الماضية في شمال سورية، إذ أفيد بأن وقفاً للنار أُعلن بين فصائل «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة من الأكراد وبين فصائل «الجيش الحر» المدعومة من الأتراك بعد مواجهات دامية على خلفية عملية «درع الفرات» التي أطلقتها أنقرة بهدف إبعاد «داعش» والأكراد عن حدودها الجنوبية المحاذية لريف حلب الشمالي. وسمحت هذه التهدئة، كما يبدو، باستئناف الحرب ضد «داعش» الذي طردته فصائل «سورية الديموقراطية» من ثلاث قرى جديدة، فيما أعلنت تركيا شن غارات جديدة على مواقعه في ريف حلب.
وتزامن ذلك مع معارك ضارية على جبهات مدينة حلب، حيث حاولت القوات النظامية تحقيق تقدم في منطقة الكليات العسكرية بما يسمح لها بمعاودة فرض الحصار على أحياء شرق حلب. لكن الأوضاع في وسط سورية بدت سيئة على رغم استقدام الحكومة تعزيزات ضخمة لصد هجوم لفصائل معارضة في محافظة حماة، إذ أفيد مساء أمس بأن بلدة طيبة الإمام على وشك السقوط في أيدي المعارضة (تحديداً فصيل «جند الأقصى») التي سيطرت على أجزاء واسعة منها وباتت أيضاً على مشارف محردة، المدينة المسيحية المهمة في المنطقة.
ونقلت وكالة «رويترز» أمس، عن شرفان درويش المتحدث باسم المجلس العسكري لمنبج المتحالف مع «قوات سورية الديموقراطية» تأكيده التوصل إلى اتفاق لوقف النار بين تركيا والمجلس العسكري لجرابلس، وهو فصيل آخر مدعوم من الأكراد ومتحالف مع «قوات سورية الديموقراطية». وقال درويش إن اتفاق الهدنة بدأ منذ منتصف ليلة الإثنين- الثلثاء وما زال صامداً. لكن قائد إحدى جماعات المعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا والتي تقاتل الجماعات المتحالفة مع «قوات سورية الديموقراطية» في جرابلس، قال إنه لا يوجد وقف نار بل توقف موقت للعمليات العسكرية. وأضاف: «لا توجد هدنة ولا وقف إطلاق نار ولكن تم التوقف لبعض الوقت، على أن تستأنف قريباً إن شاء الله».
بدورها نفت مصادر عسكرية تركية إبرام هدنة بين الأتراك والأكراد في شمال سورية، أما وزارة الخارجية التركية فقالت إن العمليات التركية الجارية حالياً لن تتوقف ما لم ينته التهديد الذي تواجهه تركيا. وشددت على ضرورة الوفاء بوعد الأميركيين بانسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق الفرات، مستنكرة انتقادات وجهها البيت الأبيض مساء الإثنين للعملية التركية بسبب استهدافها الأكراد، وهم أيضاً حلفاء للأميركيين في الحرب ضد «داعش». وانتزعت «وحدات حماية الشعب» وفصائل سورية متحالفة معها السيطرة أمس على ثلاث قرى من «داعش» في ريف حلب الشمالي، فيما أعلنت وزارة الدفاع التركية شن طائرات التحالف الدولي غارات جديدة على مواقع التنظيم.
وكان مسؤول عسكري أميركي أكد أوّل من أمس أن القوات التركية والمقاتلين الأكراد في شمال سورية توصلوا الى «اتفاق غير رسمي» لوقف القتال بينهما. وقال الكولونيل جون توماس المتحدث باسم القيادة الأميركية الوسطى: «خلال الساعات الماضية تلقينا تأكيداً بأن جميع الأطراف المعنية ستتوقف عن إطلاق النار وستركز على تهديد داعش». وأضاف: «هذا اتفاق غير رسمي يشمل اليومين المقبلين على الأقل، ونأمل في أن يترسخ». وأوضح أن الأتراك و «قوات سورية الديموقراطية» فتحوا اتصالات مع الولايات المتحدة وإحداهما مع الأخرى «بهدف وقف الأعمال القتالية».
وفي باريس، توقع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس، أن يثير موضوع استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي، بحسب ما أكدت الأمم المتحدة، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في الصين الأسبوع المقبل، وأيضاً في تشرين الأول (أكتوبر) عندما يستقبله في باريس. وحذّر هولاند من تصعيد شامل في سورية في ظل التدخل التركي بعد الروسي، قائلاً إنه بعد مرور عام تقريباً على بدء التدخل الروسي «اختارت تركيا اليوم نشر جيشها على أراضي سورية للتصدي لداعش… هذه التدخلات المتعددة المتناقضة تنطوي على تهديد بتصعيد عام». وقال إن جرائم استخدام الكيماوي في سورية «لا يمكن أن تبقى من دون عقاب، ففرنسا تعمل على قرار في مجلس الأمن لإدانة هذه الأعمال الإجرامية واتخاذ عقوبات إزاء مستخدميها».
ونقلت وسائل إعلام روسية عن مصدر أمني سوري أمس، أن مدير مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك سيزور موسكو الأسبوع المقبل، من دون كشف تفاصيل حول محادثاته المرتقبة. ولفت الأنظار أن الجانب الروسي لم يعلّق رسمياً على المعلومات عن الزيارة، بينما رجّح معلقون أن تكون تطورات الموقف في حلب والعملية العسكرية التركية على رأس جدول المناقشات، في حال تأكدت الزيارة. وكان مملوك زار موسكو مرات عدة خلال العامين الأخيرين.
وفي نيويورك (الحياة)، دفعت الدول الغربية في مجلس الأمن أمس بمواقفها الاختبارية في شأن اتخاذ إجراءات عقابية في ضوء نتائج التحقيق الدولي الذي أثبت استخدام الحكومة السورية أسلحة كيماوية في هجومين في إدلب عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥، ومسؤولية «داعش» عن شن هجوم بغاز الخردل عام ٢٠١٥. وشكلت الجلسة، التي كانت منتظرة مساء أمس في مجلس الأمن، أول اختبار للدول الغربية لرد فعل روسيا على إصرارها على تحرك قوي في المجلس، وهو ما قال ديبلوماسيون في شأنه إن «روسيا لن تكون مفاوضاً سلساً» في هذا الشأن.
وكان واضحاً قبيل انعقاد الجلسة أن مجلس الأمن منقسم بين قراءتين لتقرير لجنة التحقيق الدولية المشتركة، «قراءة غربية تتمسك بالخلاصات التي تضمنها التقرير، واتهام الحكومة السورية وداعش باستخدام أسلحة كيماوية، وقراءة روسية تشاركها بها دول أخرى في المجلس، تشكك في نهائية خلاصات التحقيق، وتعتبر أنه مليء بالثغرات، ويتطلب متابعة»، وفق ديبلوماسيين في المجلس.
وأوجز ديبلوماسي غربي النقاط الرئيسية التي ستضغط الدول الغربية باتجاه وضعها في متن نص مشروع القرار، من دون تحديد موعد لطرح مشروع القرار على أعضاء مجلس الأمن حتى الآن. وأوضح أن النقاط الثلاث هي فرض عقوبات على كل جهة يثبت استخدامها أسلحة كيماوية في سورية، والمطالبة بالمحاسبة الدولية، وخصوصاً عبر إحالة هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية، باعتبارها جرائم حرب، والنقطة الثالثة هي المطالبة بتمديد ولاية لجنة التحقيق الدولية».
الحياة – وكالات