يُعدّ تلوّث الهواء عامل الخطر الرابع المسبّب للوفاة على مستوى العالم، مع نسبة 10 في المائة أو 5.5 ملايين وفاة مبكرة، وفق دراسة حديثة للبنك الدولي. وقد لقي نحو 125 ألف شخص مصرعهم بسبب أمراض مرتبطة بتلوّث الهواء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما صنّفت مصر وإيران من بين البلدان الأكثر تضرراً لجهة أعداد الوفيات التقديرية والكلفة الاقتصادية.
وتستهدف أضرار تلوّث الهواء الأطفال الصغار والأشخاص المتقدّمين في السنّ أكثر من سواهم، بحسب آخر دراسة للبنك الدولي حول الموضوع. وتسجّل نحو خمسة في المائة من الوفيات بين الأطفال دون سنّ الخامسة، وعشرة في المائة بين البالغين فوق سنّ الخمسين، بالمقارنة مع أقل من واحد في المائة بين البالغين من الشباب. كذلك، فإنّ نسبة الوفيات المبكرة الناجمة عن الإصابة بأمراض ترتبط بتلوّث الهواء، أكبر بين الرجال منها بين النساء. وعلى الرغم من أنّ الوفيات الناجمة عن التلوّث معظمها بين الأطفال الصغار والمتقدّمين في السنّ، إلا أنّ الوفاة المبكرة تؤدّي إلى خسارة في الدخل للرجال والنساء في سنّ العمل. وقد سعت دراسة البنك الدولي إلى تقدير كلفة الوفيات المبكرة بسبب تلوّث الهواء، لتسهيل اتخاذ القرارات في ظل ندرة الموارد. خلصت إلى أنّ الخسائر السنوية من دخل العمل في المنطقة تجاوزت تسعة مليارات دولار أميركي في عام 2013.
في لبنان على سبيل المثال، توفي ألف و816 شخصاً في عام 2013، بسبب تلوّث الهواء. ومن المتوقّع أن تزداد أعداد الوفيات، بعدما انتشرت المكبّات العشوائية التي تُحرق النفايات فيها يومياً من جرّاء أزمة النفايات الحالية. يُذكر أنّ بيروت صُنّفت كثاني أكثر المدن تلوثاً في العالم، بحسب مؤشّر التلوّث لمنتصف عام 2016. ومنذ أقلّ من عام، أعلنت الجامعة الأميركية في بيروت عن مجموعة من المواد الكيميائية عالية السمّيّة في الهواء، تؤدّي إلى الإصابة بالسرطان، وهي ناتجة عن ظاهرة حرق النفايات. كذلك أفاد التقرير عن ارتفاع كميّة المواد المسرطنة 416 مرّة بالمقارنة مع نتائج عام 2014.
يتحدّث الخبير في البيئة وتلوّث الهواء، الدكتور ناجي قديح، عن “خطورة الجزئيات الصغيرة في الهواء، التي تهدد صحة الناس بأمراض تنفسية وسرطانية”. ويقول إنّ “مصادر تلوّث الهواء متعدّدة، من قطاع نقل ومولودات كهربائية ومصانع. لكنّ الخطورة تكمن في الملوّثات الجزئية صغيرة الحجم التي لا يمكن السيطرة عليها بالفلاتر. وتنتج عن خطورتها العالية خسائر اقتصادية كبيرة، منها زيادة الإصابات في الأمراض التنفسية الصدرية والسرطان، بالتالي التغيّب عن العمل والوفاة المبكرة”. يضيف: “تبيّن كذلك أنّ بعض الدول العربية والفقيرة ومتوسّطة الدخل ليست لها قدرة على الحماية والوقاية وبالتالي التغلب على تلوّث الهواء، لأنّها لا تملك الأموال الكافية لذلك. وعلى سبيل المثال، مصر والمغرب والعراق ولبنان والجزائر، لأنّ الإجراءات المتخذة فيها جزئية ومحدودة وليست معمّقة عالية الكلفة. أمّا في دول عربية أخرى أكثر غنى، كالكويت والإمارات العربية المتحدة، فتتخذ إجراءات أفضل للوقاية من تلوّث الهواء. والأهمّ من كلّ ذلك أنّ جزءاً من مكافحة تلوّث الهواء لا بدّ من أن يأتي من ضمن استراتيجية وقائية، لكنّها غير متوفّرة للأسف بصورة كاملة في الدول العربية”.
من جهته، يوضح الخبير في الجيولوجيا، الدكتور ولسون رزق، أنّ “بيروت صنّفت عالمياً من الأكثر تلوثاً لجهة الهواء، لتضاف إليها اليوم الأمراض الناتجة عن النفايات وحرقها. فالديوكسين المسرطن ينجم عن ذلك، خصوصاً عند حرق المواد البلاستيكية الموجودة في النفايات. فتزداد احتمالات الإصابة بالسرطان ثلاثة أضعاف، إذ إنّ معالجة النفايات لا تأتي بطريقة صحيحة”. أمّا على صعيد الدول العربية، فيقول رزق إنّ “السعودية تعدّ من البلدان الأكثر تلويثاً، نتيجة كثرة الغازات السامة الصادرة من المعامل النفطية. كذلك نجد أنّ بعض الدول العربية ما زالت عاجزة عن معالجة تلوّث الهواء الذي تنتج عنه أنواع مختلفة من الأمراض التنفسية”.
أمّا المتخصص في تلوّث الهواء الدكتور فريد شعبان، فيرى “ضرورة ألا ننسى موضوع المولدات الكهربائية التي يزيد فلتانها من نسب تلوّث الهواء في لبنان، إذ لا رقابة على استخدام الفلاتر. ويأتي ذلك إلى جانب كثرة السيارات وزحمة السير فضلاً عن الرقابة الخجولة على المعامل الصناعية. وفي مصر، يرفع حرق القمح التلوّث كثيراً”. يضيف: “أمّا في دول أوروبا الشمالية، لا سيّما النرويج والدنمارك والسويد، فثمّة التزام بالمعايير البيئية للحدّ من تلوّث الهواء. في المقابل، في الدول الأكثر تلوّثاً، من بينها الصين والولايات المتحدة الأميركية، لا تُتّخذ الإجراءات اللازمة للحدّ من تلوّث الهواء على الرغم من توقيعها معاهدات دولية عدّة للحدّ من تلوّث الهواء. وذلك لأنّ الالتزام الفعلي بكلّ بساطة، مكلف اقتصادياً. وهذا أمر نجده كذلك في بعض الدول العربية الأكثر إنتاجاً للنفط”.