اسطنبول- “القدس العربي”:
صدمة جديدة تلقاها ملايين العرب الذين يعيشون على الأراضي التركية، مع الإعلان عن تغيير جديد في إجراءات منح الإقامة للأجانب في البلاد، وذلك بعد أشهر قليلة من التغييرات التي تم إدخالها على قوانين اللجوء والعمل التي تسببت في حالة واسعة من الإرباك رغم أنها لم تطبق بحزم حتى اليوم.
والتغييرات في قوانين الهجرة والإقامة والعمل في تركيا باتت تمس بشكل مباشر أكثر من 5 إلى 6 مليون عربي يقيمون في تركيا بشكل دائم، منهم قرابة 3.6 مليون لاجئ سوري، ومئات آلاف العراقيين والمصريين واليمنيين والفلسطينيين وغيرهم من الجنسيات العربية الأخرى.
والخميس، جرى تداول نص تعميم أصدرته دائرة الهجرة التركية يتعلق بإجراء تغييرات عملية على آليات منح ما تعرف بـ”الإقامة السياحية” للأجانب، والتي يعتمد عليها أغلب المقيمين العرب في تركيا لشرعنة إقامتهم الدائمة في تركيا.
وطوال السنوات الماضية، قدمت الداخلية التركية عبر دائرة الهجرة المختصة بمنح الإقامات للأجانب تسهيلات كبيرة في آليات منح الإقامة السياحية. وعبر تقديم بعض الأوراق الثبوتية من قبيل عقد استئجار منزل وتأمين صحي زهيد الثمن، حصل الأجنبي على “إقامة سياحية” تجدد كل عام أو عامين بدون تحديد حد أقصى لعدد سنوات منح هذا النوع من الإقامة التي يجددها الكثير من العرب منذ سنوات طويلة.
ولكن بموجب التعديل الجديد على آليات منح الإقامة السياحية، فإنه سيتم تشديد الإجراءات وتحديد منحها بسقف زمني لا يتجاوز العام الواحد -إلا بسبب مقنع (لم يتم توضيحه)- ووقف تجديدها لمن قضوا هذه الفترة بداية من العام المقبل، ما يعني رفض تمديد إقامات أعداد هائلة من المقيمين العرب في تركيا في حال تطبيق هذه الإجراءات بحزم كبير.
لكن المعلومات المتوفرة حتى الآن لا توضح كيف سيتم تطبيق الإجراءات الجديدة وما إن كان هناك استثناءات لجنسيات عربية معينة كاللاجئين السوريين أو العرب الذين لا يتمكنون من العودة إلى بلادهم لأسباب سياسية وأمنية وإلى أي مدى سوف يتم تطبيق هذه الإجراءات بحزم، وفي فترة زمنية سريعة.
وخلّف انتشار هذه الأخبار حالة واسعة من الخوف والريبة لدى أعداد كبيرة من العرب الذي يعملون ويقيمون في تركيا منذ سنوات طويلة على بند “الإقامة السياحية” في ظل صعوبة حصولهم على “إقامات عمل”، أو “إقامة طابو” التي تمنح لمن يشتري أي عقار في تركيا، أو الجنسية التركية التي يمكن الحصول عليها من خلال شراء عقار بقيمة 250 ألف دولار أمريكي.
ويعتقد أن هذا القرار يأتي بدوافع اقتصادية، لا سيما في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها تركيا في الأشهر الأخيرة وتأكيد التقارير الرسمية وصول نسبة البطالة في البلاد إلى مستويات غير مسبوقة الأمر الذي ولّد نقمة شعبية واسعة على سياسات الحكومة الاقتصادية مع ربطها بالتسهيلات الممنوحة للاجئين والمقيمين العرب في تركيا، وسط اعتقاد شعبي واسع بأن تواجد ملايين الأجانب في البلاد قلص فرص العمل للمواطنين وساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية.
وتشديد إجراءات منح الإقامة السياحية، يمكن أن يدفع مئات آلاف العرب المقيمين في تركيا إلى البحث عن بدائل لتجنب فقدان حقهم القانوني بالإقامة، وذلك من خلال اللجوء إلى محاولة الحصول على “إقامة دراسة” بالالتحاق بإحدى الجامعات التركية الخاصة، أو الحصول على “إقامة عمل” وبالتالي الإلزام بالتسجيل الرسمي ودفع بدائل التأمين والضرائب كاملة للدولة وهو ما نجح العرب في التهرب منه لسنوات طويلة بفضل “الإقامة السياحية”، أو شراء عقار صغير يمكّنهم من الحصول على “إقامة طابو” أو شراء عقار ثمين يتيح الحصول على الجنسية، وهي خيارات ستكون متاحة فقط لمن يتمتع بإمكانيات مالية جيدة.
وعلى الرغم من عدم توفر تأكيدات رسمية بعد، إلا أن تطبيق القرارات الجديدة لن يكون بالأمر السهل، وسوف تضطر الجهات الرسمية التركية لتقديم حزمة استثناءات وتسهيلات لأسباب مختلفة، وذلك على غرار ما قامت به في الأشهر الماضية عقب التغييرات التي تم إدخالها على قانون اللجوء والعمل.
وقبل أشهر قليلة، أصدرت السلطات التركية قرارات تتعلق بتشديد قوانين اللجوء وضغطت على اللاجئين السوريين غير المسجلين من أجل الخروج من إسطنبول والعودة للإقامة في الولايات التركية الأخرى المسجلين فيها، بالتوازي مع حملة كبيرة ضد اللاجئين غير القانونيين، إلى جانب بدء حملة واسعة لمحاربة “عمل الأجانب بشكل غير قانوني”، وذلك في محاولة لإرضاء الشارع التركي الذي زادت نقمته على عمالة الأجانب في ظل تزايد الصعوبات الاقتصادية، واعتبر ذلك أحد أبرز أسباب خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم لانتخابات البلديات الكبرى في البلاد آذار/مارس الماضي، ولجوء الحزب والحكومة لهذه الإجراءات من أجل تفادي فقدان المزيد من أصوات الناخبين الأتراك.
لكن الحكومة التي أعطت مهلة لتطبيق هذه القرارات اضطرت لتمديدها أكثر من مرة وذلك في ظل صعوبة تطبيق تغييرات واسعة على أوضاع ملايين اللاجئين والمقيمين في فترة زمنية سريعة والانتقادات التي واجهتها السلطات التركية من منظمات دولية بالضغط على اللاجئين.
وفيما يتعلق بالتغييرات الأخيرة في إجراءات منح الإقامة السياحية، يتوقع أن تستثني السلطات التركية اللاجئين السوريين الذين يعيشون تحت بند هذا النوع من الإقامة، كما يمكن أن يشمل الآلاف من الذين لا يمكنهم العودة لبلادهم لأسباب سياسية وأمنية كالمعارضين المصريين والعراقيين وغيرهم، بالإضافة إلى الفلسطينيين الذين لا يمكنهم العودة إلى قطاع غزة، والكثير من الاستثناءات الأخرى التي لم تتكشف تفاصيلها بعد.
نقلا عن القدس العربي