وقد ساهمت حكومات ما يُطلق عليه حزب البعث العربي الاشتراكي التي استولت على السلطة، ومن ثم استيلاء حافظ الأسد عام 1971 عليها، ساهمت في خلق طبقة جديدة تتمتع بالسلطة والمال، وحتى في عز تلك الإجراءات الاقتصادية التي سميت اشتراكية لم تكن لا اشتراكية ولا شيوعية ولا اقتصادية، وإنما مزيج هجين يسمح للسرقة والتخريب دون أي مساءلة، ولا يوجد أي نظرية اقتصادية أو إيديولوجية قادرة على تفسير وشرح النموذج الاقتصادي السائد حينها.
وخلال الأعوام الخمس عشرة الماضية، إلى جانب رأسمالية الدولة الموجودة قبل ذلك، حلت رأسمالية وبيروقراطية تعمل على جمع الأموال والأصول العامة وكأنه ملك لها، ولا تتورع عن إهداره بالبيع إذا كانت هناك مصلحة كبرى لها في ذلك، حتى لو كان على حساب مصالح الاقتصاد والمواطن.
بلدوزر الاستثمار في سوريا
إلا أن وجه “الطرافة” كان في العام 2007 عندما أعلن أكثر من سبعين رجل أعمال سوري عن تأسيس شركة شام القابضة كأول شركة مساهمة خاصة، وبلغ رأسمال هذه الشركة 350 مليون دولار أمريكي أي ما يعادل (17.5 مليار ليرة سورية) على دولار”46″. ووُصفت هذه الشركة بأنها الأولى على مستوى العالم من حيث جذبها لهذا العدد الكبير من المستثمرين المحليين، كما وُصفت بأنها بلدوزر الاستثمار في سوريا.
ومنذ تأسيسها أعلن القائمون عليها أنها شركة سوف تتوسع وستعمل باستقلالية تامة في قطاعات السياحة، العقارات، الصناعة، النقل، المصارف، الطاقة، والصحة.
رجال أعمال خارج خط رامي مخلوف
لكن الهدف من إنشاء “شام القابضة”، كان السيطرة على القطاع العام، فأصحاب وشركاء “شام القابضة”، متعايشين مع النظام.
وشمل تحالف “شام القابضة”، حينها، مجموعة من المستفيدين، كل ضمن اختصاصه، لتكون الكعكة الاقتصادية تحت أنظارهم ويتقاسمونها فيما بينهم، فهذه الخلية التي أنشأها بالأساس، رامي مخلوف، كان هدفها السيطرة على رجال الأعمال، وأي رجل أعمال يخرج عن هذا الخط يُهمش، والمحصلة كانت نهب سوريا وثروة الشعب السوري ومقدرات اقتصاده بطريقة لن يتم المحاسبة عليها، ومجرد وجود رامي مخلوف في أي عمل اقتصادي هذا يعني أنه لا يوجد محاسبة، وأي تجمع اقتصادي خارج رامي مخلوف يتم محاسبته ومحاصرته.
المستثمر الاستراتيجي
وبمناسبة سلوك المستثمر الاستراتيجي إزاء مستثمري الأقلية “السنية”، فإن “شام القابضة” هي خلية رامي مخلوف الاقتصادية، ولا يوجد شيء اسمه مصادفة، فالهدف كان سيطرة رأس المال للمشاركة في الحكم من مواقع مهيمنة في مجال الاقتصاد، وحقق مخلوف من خلالها قفزات أسطورية في ثرواته، خاصة أن شركاته تمتعت بوضع احتكاري كامل أو باحتكار ثنائي كما هو الوضع في مجال الهاتف المحمول.
وفي ظل هذا الوضع، كان أمراً منطقياً أن تكون أهم القوانين التي صدرت والتطورات التي حدثت في الفترة الأخيرة قبيل الثورة السورية، هي في مصلحة الرأسماليين، وهي نتيجة منطقية لوجود رجال الأعمال في الحكم وازدواج السيطرة على السلطة والثروة معاً.
تجربة الخليج وكوريا واليابان
وبالعودة لشام القابضة، فإن القطاعات التي أعلنت الشركة عن الاستثمار فيها شملت قطاعي السياحة، والعقارات، وقد جاء البرنامج ضمن مشروع طارق بن زياد في حلب وبلغت القيمة الإجمالية لهذا المشروع 137 مليون دولار، وتضمن المشروع فنادق خمس نجوم وثلاث نجوم، إضافة إلى سوق تجاري ومراكز رياضية ومكاتب.
كما أعلنت الشركة عن مشروع تطوير محطة الحجاز، وتضمن مركزاً تجارياً ومكاتب، وقدرت التكاليف الاستثمارية لهذا المشروع بـ 119 مليون دولار.
أما مشروع يعفور، فقد درست “شام القابضة” تسوية عشرين هكتاراً من الأراضي وتحويلها إلى فيلات فاخرة بجانب موقع بوابة دمشق، والتكلفة الإجمالية لهذا المشروع 250 مليون دولار، يُضاف إلى ذلك مشروع فندق 5 نجوم في المزة والذي حمل فيما بعد مسمى “ياسمين دمشق”، وهو المشروع الوحيد الذي أعلنت عنه الشركة وقامت بالبدء بتفيذه، يضاف إليه مشروع شركة الطيران “أجنحة الشام”.
ولم تتوقف أعمل الشركة عند ما سبق، إذ تم الإعلان عن مشاريع ثانوية لها، وهي منتجع في اللاذقية، مشروع في قدسيا، ومشروع في صحنايا، إضافةً إلى مشروع مصرفي إسلامي بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي بكلفة 100 مليون دولار أمريكي.
هذا، وبلغت مجموع تكاليف المشاريع التي أعلنت عنها “شام القابضة” آنذاك 1.34 مليار دولار، وكثرت التساؤلات حول هذا الحشد الكبير من رجال الأعمال من مختلف القطاعات، والفائدة التي ممكن أن يحققها هذا التجمع للاقتصاد السوري، وبدأت المقارنات والتكهنات حول استطاعة هذه الشركة الناشئة لتكرار تجربة الشركات القابضة في الخليج وكوريا واليابان.
وفي نفس السياق، استطاعت “شام القابضة” من توقيع عقود رسمية مع حكومة النظام، لم ينفذ منها إلا مشروعين كما ذكرنا سابقاً، كما أعلنت عن تعاون استراتيجي مع شركة رولاند بيرغير العالمية للدراسات ومهمتها وضع الدراسات الاستراتيجية لمشاريع شام القابضة.
ولم تتمكن شركة “شام القابضة” من إحداث أي نقلة نوعية في أداء الاقتصاد السوري، أسوةً بمثيلاتها من الشركات التي أحدثت نقلات نوعية في دول العالم سواء أكانت في دول الخليج أو جنوب شرق آسيا وكوريا، ولم تتمكن هذه الشركة الناشئة آنذاك من وضع صورة أو تصور للنهضة بقطاع الاستثمار، من خلال دعمها نقاط الضعف في الاقتصاد السوري، رغم أنها تلقت دعماً كبيراً من قبل النظام وحكومته.
“سورية القابضة”
والطريف أن الهدف من إنشاء شركة “شام القابضة” يعود لوضع العديد من التكتلات الاقتصادية الرائدة ورجال أعمال معروفين، تحت سيطرة رجل أعمال واحد، هو رامي مخلوف.
بالتوازي مع إطلاق “شام القابضة”، تم الإعلان عن إطلاق شركة “سورية القابضة” برأس مال 4 مليارات ليرة سورية، وتأسست على يد 23 رجل أعمال سوري، يملكون أكثر من مليار دولار مستثمر في شركاتهم الخاصة.
وتضمنت خطة “سورية القابضة” أن تقوم بستة مشاريع بقيمة 300 مليون دولار، ولم يتسنى للمحللين والمراقبين الاقتصاديين تقييم تجربة هذه الشركات وانعكاسها على الاقتصاد والمواطن، نظراً للفترة الزمنية الضئيلة بين تأسيس هذه الشركات واندلاع الثورة السورية، فلم تتمكن هذه التكتلات الاقتصادية الجديدة من تنفيذ أي من مشاريعها أو إطلاق خطط أو دراسات فعلية لأي من مشاريعها المعلنة.
وفي العام 2011، غادر كل من رامي مخلوف، ونبيل الكزبري وعماد غريواتي، مجلس إدارة “شام القابضة”، إضافة إلى سمير حسن، وعصام أنبوبا، ومحمد صباغ شراباتي، وعمر كوكور، وهاني عزوز، بعد قضاء 4 سنوات في مجلس الإدارة. وكان رامي مخلوف أعلن – أمام الإعلام فقط- عن اعتزال عالم الأعمال الاقتصادية، وتوجيه مشاريعه الحالية إلى خدماتية إنمائية، وأعلن التفرغ للعمل الخيري.
وعلى غير المتوقع، أعلن نبيل الكزبري في منتصف العام 2011 أن الشركة لم تدخل في أي عمل حكومي أو مناقصة للدولة بل دخلت في مشاريع تنموية واقتصادية وأن المرحلة السابقة كانت مرحلة تأسيس للشركة ومشاريعها التي ستبصر النور خلال الفترة القادمة.
وضم المجلس الجديد لـ “شام القابضة”، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السابقة، ديالا حاج عارف، والمهندس أحمد حمو وسامي بركات، واثنين من المساهمين، هما فارس الشهابي وخليل طعمة.