“خديجة” (اسم مستعار) فتاةٌ في الخامسة والعشرين من العمر، كانت تعيش قريرة العين مرتاحة البالِ في كنف عائلتها وأحضان أمها بعد وفاة والدها.
كانت من أسعد الناس سابقاً، فوجهها الحزين وعيناها اللامعتان تخفيان وراءهما حسراتٍ وحنين على الماضي الجميل في دفء العائلة وظل الوالدين.
تقول: “كنا نعيش في دمشق، مع بداية الأحداث في سوريا لم يبقَ لنا مكانٌ هناك، قررنا الهجرة والرحيل نحو تركيا، علنا نجد أماناً وعملاً هناك، خرجنا من دمشق نحو حلب فتركيا، جلسنا في تركيا وبدأنا نعمل ونتعلم،
فكنت أذهب للعمل يومياً في معمل للخياطة، كان عملاً شاقاً لكنه يغنيني عن الناس ويكفي لعيشنا انا وأمي”.
لم يعكر صفو حياة خديجة شيء يذكر، فحياتها الجديدة كانت جميلة وهادئة في كنف أمها، لكن ما قلب حياتها رأساً على عقب هو قصة زواجها ونتائج ذلك الزواج.
” تقدم شاب لخطبتي، كان الأمر مفاجئاً لي بعض الشيء، فلم أفكر بالزواج وأنا خارج بلدي ومنزلي،
ولم أكن كما الفتيات أحلم بالفستان الأبيض وحفلة العرس، كانت كل همومي العمل وتأمين مصاريفي اليومية، وبعد وعودٍ وأحلامٍ رسمها في مخيلتي، وأنني سأكون أسعد النساء وسيدة قلبه، وبعد سؤلات واستفسارات ومشورة عن وضع هذا الخاطب، نصحنا الناس أن الشاب ذو أخلاق مجيدة ودين محمود، مما دفعني للقبول والرضا بذلك الشاب.”
بدأت قصة زواجي، جاء الشيخ إلى المنزل، وعقد القران، ” لم يكن مهري غالياً لأنني لم أفكر بالأمور المادية مع ذلك الشاب الخلوق، كما وصفه الناس ولمسنا ذلك فيه، ولكن بعد الزواج، تغير كل شيء.
المفاجأة…
كانت على عكس التوقعات تماماً الأشياء التي عشتها معه، فلا أخلاق حميدة، ولا دين يردع، وبرغم كل ما قدمته من مساعدة له من خلال عملي، وتحملي إهاناته وسوء أخلاقه، إلا أنه خذلني!!!”
” وبعد شهور من الزواج، حملت بطفلي الأول، كان يغمرني الفرح والسرور، وكلي شوق لمولودي الجديد وطفلي الأول”، تتابع خديجة.
لكن مفاجأة وصدمة نزلت كالصواعق على قلب خديجة، فزوجها يختفي عن الأنظار، ويتركها وحيدةً في منزل والدتها بتركيا،
” أخبرني أنه أصبح في اليونان، ذاهباً إلى أوروبا، وأني لم أعد مناسبة له، هكذا بكل بساطة، تركني مكسورة الخاطر وأنا في أشد أيامي فرحاً بمولودي المقبل.”
“أنت طالق” ولا شيء يثبت أنك زوجتي، ولن تسطيعي رفع قضية في المحاكم التركية” هكذا قال لي في آخر مكالمة بيننا.
لا نملك الجنسية التركية ولا يمكننا رفع قضايا.
” هنا أحسست بالحيرة والخذلان، فعلاً لا شيء كان يثبت زواجنا!! سوى ورقة ضاعت معها كل حقوقي، فزواجنا لم يكن مثبتاً في المحكمة، وذلك الأمر الذي تركه غير مبالٍ بالموضوع وخصوصاً أن لا شيء يثبت صحة الزواج وحقيقته..” تتابع خديجة.
وضعت خديجة طفلتها “سندس” تلك الطفلة الملائكية، كانت أجمل ذكرى من حياتها الزوجية ستظل مرافقتها إلى الأبد.
” كانت صدمتي النفسية كبيرة، كيف وقد وضعت ثقتي في ذلك الشخص صاحب الدين والأخلاق، لكنه لم يكن كذلك فعلاً”.
” واليوم ولله الحمد استطعت التغلب على آلامي النفسية وعدت للعمل مجدداً، أستقبل كل صباحٍ برضى وأمل، وأنا أرى سندس تكبر أمام عيني”.
قصة خديجة واحدة من قصص كثيرة، كانوا ضحايا الجهل والثقة الزائدة، ممن رهنوا حياتهم بأشخاص ووثقوا بهن في زمن الغدر والخذلان.
قليلا من الوعي في نفوس الأهالي، بأن يتعاملوا بحزم وصرامة، مع تزويج بناتهم، وأن يكون الزواج مسجل في أوراق ثبوتية تضمن حقوق بناتهم
فهل يا ترى ستعمل الحكومات والأهالي على ذلك؟
وهل يضعون قوانين تمنع ذلك النوع من الزواج ؟..
ريم مصطفى