شهدت سوريا قتالاً شديداً خلال الحرب المستمرة لمدة خمس سنوات، وتعرضت لدمار واسع، ولهول المعاناة وطول الأمد واشتداد الألم سأدخل في موضوعي مباشرة، ففي مدينة حمص لا يزال سكانها في حاجة ماسة للدعم، ولاسيما الأمهات الحوامل والمرضعات النازحات اللاتي لا دخل لهن، أو لديهن دخل محدود واللاتي يتعرضن لأعراض سوء التغذية بشكل كبير، تقول أم عبدالرحمن(35 عاماً) “لم تعد قدماي النحيلتان تساعداني على النهوض بجسدي المتعب والمنهار من شدة الجوع لقد أمضيت أسبوعاً بأكمله أتناول، ما يسد الرمق من فتيت الخبز اليابس بقليل من الحامض.. وكأنه يشبه الفتّوش.. لا أملك المال لشراء بعض الطعام الذي أصبحت أسعاره فوق ما يتخيله عقل؛ فالحصار خانق والحاجة ملحة كوني في الشهر السابع من الحمل وليس بوسعي تقديم المساعدة لجنيني الذي باتت ضرباته الموجعة في أحشائي تنذرني بالخطر يهدد حياته.. باتت أحلامي بسيطة جداً؛ فقط رؤيتي طفلي القادم واحتضاني له وسلامة جسده الصغير كونه لاحول له ولا قوة”.
لم تكن عشرات التقارير الإخبارية ونداءات الاستغاثة كافية لإيصال صوت مئة ألف محاصر داخل بقعة صغيرة في حمص حي الوعر تحديدا يتجه نحو مجاعة حقيقية، يخشى أنها تضاهي مجاعة مضايا قسوة. تقول أم عبدلله “بات قلقي الشديد يزداد على ابنتي الحامل بولدها الأول فبكاؤها الشديد خوفاً على جنينها المتبقي لها من زوج لم يفرح بقدومه، وتدهور صحة جسدها نتيجة سوء التغذية.. جعلاني أتوسل إلى الله ليلهمني المزيد من الصبر لتحمّل همومٍ ضاق بها الصدر..
خاصة أن زوجها معتقل لدى نظام الأسد، وإن كنا لم نعثر له على أثر، إلا أن معلومات دقيقة لدينا تشير لتوقيفه على أحد حواجز ميليشيات النظام داخل مدينة حمص.. آه أيام كان الواحد منا يستطيع الانتقال، يشتري ويبيع، يحضر معه قوت يومه نهاية النهار، وكأنه اختفى تحت الأرض”.
يقول الطبيب ” أبو ماهر” لقد بدأنا نستقبل حالات سوء التغذية والإغماء المتكرر وفقدان الوعي النصفي؛ ذلك كله لافتقار الحي للمكملات الغذائية أو الغذاء بشكل كامل للأم الحامل والمرضعة، فتفاقم سوء التغذية يهدد بموت الأم والجنين وكوننا لا نملك أكياس الدم أو السيروم الغذائي لتقديمه للمرأة الحامل.. غدت الحال كارثة حقيقية”.
تقول سلمى(24 عاماً) “لقد أجريت لي عملية قيصرية مع العديد من الأمهات الحوامل اللواتي تتطلب الحاجة لديهن عملا جراحيا بوقت واحد، وبأبسط مقومات الجراحة آه.. كان ألما فظيعاً مع غياب الدواء وخاصة المسكنة منها، لم ينل طفلي سوى القليل من الحليب كوني أعاني من سوء التغذية وليس بوسعي تأمين الحليب وإن وجد فبأسعار خيالية، بكاء طفلي الجائع.. زاد من أوجاعي.. وتمنيت تقديم الروح إليه “.
تكشف الممرضة سوسن “ما يكثر ملاحظته على النساء الحوامل هنا في حي الوعر هو ترهلات واضحة في بطن النساء الحوامل؛ فبدل أن يكبر بطن الحامل وينمو الجنين في الأشهر الأخيرة، ينكمش ويترهل من سوء التغذية الشديد وفقر الدم نتيجة ذلك.. ورغم ذلك الوضع السيء يأتي الجنين على قيد الحياة – بقدرة الله، وربما يكون ذلك رغبة في استمرار الأمهات بإنجاب الأبناء؛ لبناء الوطن الذي فقد الكثير من أبنائه”..
صبراً أيتها الأم على أوجاعك العميقة.. فعطاؤك رمز، وصبرك مفتاح لاستمرار الحياة في هذا الوطن النازف.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد.