هنالك الآن ثلاثة مسارات في الحرب الأهلية السورية: وقف الأعمال العدائية بين الحكومة والمعارضة؛ والمفاوضات في جنيف؛ والحرب ضد الدولة الإسلامية (داعش). وقف إطلاق النار بالكاد يتماسك، والحرب على داعش تحقق تقدما، ولكن المحادثات في جنيف متوقفة تماما. تحرك نظام الأسد في نهاية الشهر الماضي لإعادة السيطرة على مدينة تدمر الأثرية من يد داعش مرتبط بهذه الأمور الثلاثة جميعها.
وقف القتال الذي تم الإعلان عنه نهاية فبراير أثبت أنه متماسك نوع ما حتى أيام قليلة ماضية. المعارضة كانت أرهقت فعلا واستنزفت في مواجهة الهجوم المستمر الذي تدعمه روسيا، ولهذا رحبت –والتزمت بصورة كبيرة- بوقف إطلاق النار. على جانب النظام، فإن إصرار روسيا على وقف إطلاق النار تبعه انسحاب روسي جزئي في إشارة للرئيس بشار الأسد بأن روسيا عززت مواقع النظام على أرض المعركة، ولكنها لن تذهب أكثر من ذلك إلى حد الانخراط في حرب مفتوحة ضد المعارضة. في الوقت ذاته، أشار الروس إلى استعدادهم للعب دور أكبر في القتال ضد داعش.
وقف إطلاق النار وتطور الموقف الروسي أثر على استراتيجية الأسد. كانت نيته هي الحفاظ على مساعدة روسيا إلى أن يهزم المعارضة السورية على أرض المعركة تماما، في حين يؤجل المعركة مع داعش إلى مرحلة لاحقة. ولكن مع نهاية المسار الأول، فقد أجبر على إعادة تقييم الأمور.
أعلن الرئيس فلاديمير بوتين الانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا في نفس اليوم الذي اجتمع فيه قادة العالم في جنيف للبدء في محادثات السلام مع دعوة الكرملين إلى “تكثيف عملية التسوية السياسية” للصراع. ولكن حكومة الأسد رفضت التفاوض بصورة قاطعة. الأسد نفسه قال بأن الحرب سوف تستمر إلى أن يسيطر النظام على كل سوريا، وأصر مسئولوه على أن أي حديث حول الانتقال السياسي غير مطروح على الطاولة. وفد التفاوض لم يعترف حتى بالمعارضة كشريك في التفاوض، مشيرين بأن الوفد مجموعة من الإرهابيين كالعادة.
وجود الأسد في جنيف كان له أثر تخريبي، الأمر الذي أثار حفيظة كل من روسيا والغرب، ولكن الحملة الرامية إلى استعادة تدمر حولت الأنظار تماما عن عدم رغبة الأسد في التفاوض إلى دور الأسد في هزيمة داعش.
في الواقع، هناك سياسيون ومراقبون في أوروبا وفي الولايات المتحدة تناسوا كيف وصلت سوريا وداعش إلى ما هم عليه الآن، وهم يسارعون الآن لمباركة احتضان الأسد. إنهم مخطئون تماما في اعتباره ترياقا للشفاء. في حين أن الأسد يمكن أن يلعب دورا هاما في الحرب على الدولة الإسلامية، وعلى المؤسسات السورية الرئيسة أن تدخل في أي اتفاق سياسي، وفقط قرار جاد لحل الصراع السوري يتضمن مرحلة انتقال سياسي وانتهاء فترة الأسد الرئاسية سوف يؤدي إلى استقرار البلاد وفي النهاية إلى ليس فقط هزيمة داعش وإنما إلى هزيمة جبهة النصرة أيضا.
علاوة على ذلك، في حين أن قوات الأسد سيطرت على تدمر، فإن الجماعات الأخرى كان تتحرك تجاه معاقل الدولة الإسلامية في أماكن أخرى. قوات سوريا الديمقراطية التي تحظى بدعم أمريكي وتتضمن قوات من الواي بي جي الكردية ومسلحين سنة ومسيحيين آخرين، اقتربت من عاصمة داعش في الرقة. وحدات متمردة أخرى مدعومة من قبل الولايات المتحدة ودول خليجية كانوا يتجهون نحو معاقل داعش في دير الزور ودابق. مع توقف القتال وتحرر قوى القتال لدى الطرفين، يبدو أن الحرب ضد داعش في سوريا بدأت أخيرا بإحراز التقدم. جميع الأطراف سوف تسارع إلى امتلاك أراض خلال هذا القتال.
على الرغم من أن النظام قرر أخيرا قتال الدولة الإسلامية بعد أن سمح لها بالازدهار لثلاثة أعوام، إلا أنها تواجه معوقات كثيرة. تدمر قريبة نسبيا من العاصمة ومن السهل السيطرة عليها. الحملات التي كانت ترمي إلى استعادة الرقة ودير الزور سوف تكون أكثر صعوبة وتحديا. مقاتلو النظام أنفسهم موزعون في العديد من الجبهات ومرهقون من خمس سنوات من القتال ولا زالت الأولوية بالنسبة لهم القتال والمخاطرة دفاعا معاقلهم في دمشق وحلب والساحل العلوي، ولكن القيام بحملات طموحة في شمال وشرق البلاد سوف يكون أمرا صعبا جدا.
من بين حلفاء النظام، لا زالت روسيا تعتبر الحرب على داعش أولوية وأثبتت رغبة في توفير دعم جوي مكثف. ولكن حلفاء النظام السوري الإيرانيين وحزب الله سوف يكونو أقل حماسة حيال توفير المقاتلين. أشار هؤلاء الحلفاء إلى التزامهم بالدفاع عن الأراضي الجوهرية للنظام، ولكنهم أعربوا عن حماسة قليلة للقيام بحملات طموحة أبعد من ذلك. هزيمة داعش في سوريا يجب أن تكون شأنا متعدد الأطراف مع وجود دور للنظام، ووجود دور كبير للميليشيات الكردية والمقاتلين العرب. في الواقع ذكرت وكالة إنترفاكس الروسية بأن كلا من روسيا والولايات المتحدة تبحثان تنسيق الجهود العسكرية لتحرير الرقة، معقل الدولة الإسلامية.
استعادة الأسد لتدمر، بغضر النظر عن أي أمر آخر، تعتبر بمثابة ضربة لداعش. كما أن ذلك عزز من موقف الأسد من خلال تحويل الأنظار من وحشيته التي مارسها في الماضي ورفضه للتفاوض، إلى الدور الذي سوف يقوم به كلاعب هام في الحرب ضد داعش. الدور الذي سوف يقوم به هام، ولكن بالتعاون مع جماعات التمرد الأخرى. وفي حين أن الحرب ضد داعش ربما تلفت الانتباه بعيدا عن الحل السياسي، فإنه إذا وعندما تنجح الحرب ضد داعش، فإن مسألة التغيير السياسي سوف تعود إلى الواجهة مرة أخرى. كل من النظام والمعارضة سوف يحصلون على منافع وأراض من خلال القتال ضد داعش، ولكن يتعين عليهم في النهاية الجلوس مرة أخرى للوصول إلى اتفاق في نهاية المطاف. يمكن ان يكون الأسد جزء من بداية المفاوضات، ولكن من الصعب تصور وجود صفقة يمكن أن تسمح له بالاحتفاظ بمنصبه إلى أجل غير مسمى.
ريال كلير وورلد
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي