تركيا ومعركة الباب

أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن قوات “درع الفرات” باتت على تخوم مدينة الباب، وأن تحريرها من “داعش” بات مسألة أيام. مضى أكثر من شهر على هذا التصريح وقوات درع الفرات تراوح مكانها، فما الذي جرى، ولماذا تأخرت العملية، وما هي العقبات التي تعترضها؟
عندما انطلقت عملية درع الفرات من جرابلس في 24 أغسطس/ آب الماضي، وضعت تركيا نصب عينها الوصول إلى الباب، ومن ثم منبج، وصولاً إلى التفكير بالرّقة معركة استراتيجية كبرى، وفي حساباتها أن معركة الباب تحقق لها ثلاث فؤائد استراتيجية: قطع الطريق نهائيا أمام إيصال الكانتوتات الكردية ببعضها، فالسيطرة على الباب تعني قطع الطريق بين كوباني (عين العرب) وعفرين بل وتطويق الأخيرة. استكمال ما تقوله تركيا إنه العمق الجغرافي المطلوب لإقامة منطقة أمنية عازلة. الاقتراب من معركة حلب التي يحاول النظام والروس والإيرانيون حسمها عسكريا. لكن، مع وصول القوات المتحالفة معها إلى حدود الباب، بدت تعقيداتٌ كثيرة تواجهها، لا لتعدّد القوات المتصارعة والمتنافسة على دخول المدينة فحسب، بل لأن معركة الباب استراتيجية، ستؤثر على موازين القوى المتصارعة على الساحة السورية، فإلى جانب قوات درع الفرات، هناك قوات “سورية الديمقراطية” المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتي تتحفر لدخول المدينة من محورين، كما أن هناك قوات النظام، بدعم من إيران، تستبق القوات الأخرى للوصول إلى المدينة. والأطراف الثلاثة السابقة تتحرّك في الميدان، كما في السياسة، من حسابات متناقضة، ما جعل معركة الباب صعبة الحسم، خصوصاً أن “داعش” سيستميت في الدفاع عنها، نظرا لأهميتها الاستراتيجية والرمزية للتنظيم، إذ تعني خسارة هذه المعركة قطع التواصل بين الرقة وريف حلب الشرقي، وهو ما سيصيب التنظيم بضربة كبرى.
ينظر الكرد ينظر بأهمية بالغة إلى الباب، فبعد دخول الأتراك إلى جرابلس ومارع، وتقدّمهم نحو الباب، باتت الأخيرة الخط الوحيد الممكن للربط بين الكانتوتات الكردية. وعليه، تفوق أهميتها معركة الرقة بالنسبة لهم. ولذلك، تبقى المدينة هدفاً استراتيجيا لهم، إلا أن العقبات التي تعترض مساعيهم كثيرة، فمن جهةٍ، تريد الولايات المتحدة توجيه اللاعب الكردي نحو الرقة، لا الباب. ومن جهة ثانيةٍ، ثمة خوف كردي من أن يؤدي دخولهم المدينة إلى صدام مباشر مع تركيا من دون تغطية جوية أميركية. كذلك، النظام السوري، ومع أنه مشغول بمعركة حلب، إلا أنه ينظر إلى “الباب” معركة كبرى، لا لأنها جزء من السيادة السورية، بل لأنه يرى فيها النقطة التي ينبغي عندها توقف التدخل العسكري التركي، ومن ثم التفرغ لباقي مناطق الشمال السوري، فالوصول إلى الباب سيوقف تقدم قوات درع الفرات، وسيجعله على مقربةٍ من الرقة التي تتوجه الأنظار إلى معركتها ومن يقودها. وعليه، يسعى النظام، بموازاة معركة حلب، التحضير لمعركة الباب، خصوصاً أن قواته لا تبعد سوى 10 كيلومترات عن المدينة، وفي صلب أهدافه الوصول إلى سد الطبقة الاستراتيجي. وفوق هذا كله، ليست إيران التي تسعى إلى فتح ممر استراتيجي بين طهران وشرق سورية عبر تلعفر في شمال العراق بعيدة عن معركة الباب، وقد جاء استهداف الجنود الأتراك رسالةً واضحةً بهذا الخصوص، مع أن أياً من القوى المتصارعة لم يتبنّ عملية استهداف الجنود الأتراك.
في ظل هذه المعادلة الصعبة، والخوف من خلط الأوراق، وتقدم قوات النظام في شرقي حلب، ثمّة أسئلة كثيرة تطرح عن مصير معركة الباب، لعل أهمها، هل ستقف تركيا عند النقطة التي وصلت إليها قوات درع الفرات، أم أنها تنتظر صفقةً ما لاستكمال عمليتها؟ في محاولة للإجابة، ثمّة من يحاول توجبه الأنظار إلى التقارب الجاري على محور موسكو – أنقرة. ويربط هؤلاء بين الموقف التركي المهادن في حلب إرضاءً للروس على أن ينتج هذا الموقف موافقة روسية على دخول تركيا الباب، ويستندون إلى تبرؤ روسيا من مهاجمة الجنود الأتراك، ومحاولة توجيه المسؤولية لإيران، وإن بطريقة غير مباشرة. كما أن بدء مباحثات بين روسيا وقوى سورية معارضة في تركيا، فضلا عن توتر العلاقة التركية – الأميركية مقابلها تحسّنها الكبير مع روسيا، كلها مؤشرات ربما ترجّح التحليلات التي توحي بأن أنقرة تنتظر صفقةً مع روسيا، للتحرّك نحو الباب، لطالما الانتظار يستنزفها ويفقد عمليتها المصداقية وأهدافها.
العربي الجديد – خورشيد دلي

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist