أفاد موقع ميدل إيست آي البريطاني في تقرير صحفي بأن تقدم قوات النظام السوري في محافظة إدلب شمالي البلاد جعل تركيا تواجه خيارات صعبة، بعد أن باتت في موقف “ضعيف” أمام دمشق وموسكو.
وجاء في التقرير الذي أعده الصحفي والمصور الفوتوغرافي السوري هارون الأسود أن قوات نظام الرئيس بشار الأسد أحاطت أثناء تقدمها بنقاط المراقبة التركية في المنطقة، التي نُشرت بموجب اتفاق خفض التصعيد بين أنقرة وموسكو وطهران الذي أُبرم في أستانا (نور سلطان حاليا) عاصمة كزاخستان عام 2017.
ويعني هذا التقدم أن اثنتين من 13 نقطة مراقبة تركية في المنطقة المنزوعة السلاح هي الآن مطوقة من قبل قوات الحكومة السورية. وأُقيمت المنطقة المنزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 إلى عشرين كيلومترا على طول خط التماس داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب.
وذكر هارون الأسود في تقريره أن تلك القوات حاصرت أمس الاثنين مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب وسيطرت على امتداد الطريق السريع أم 5 (حلب – حماة)، لتقطع بذلك طريق الإمداد الرئيسي إلى نقطة مراقبة بالقرب من قرية معر حطاط في المحافظة نفسها.
انتهاك اتفاقيات
وصعدت قوات الحكومة السورية المدعومة من سلاح الجو الروسي حملتها لاستعادة محافظة إدلب، آخر معقل للمعارضة، والتي يلوذ بها الملايين ممن كانوا فروا من أنحاء أخرى في سوريا على مدى قرابة تسع سنوات هي عمر الحرب الأهلية.
وصعدت قوات الحكومة السورية المدعومة من سلاح الجو الروسي حملتها لاستعادة محافظة إدلب، آخر معقل للمعارضة، والتي يلوذ بها الملايين ممن كانوا فروا من أنحاء أخرى في سوريا على مدى قرابة تسع سنوات هي عمر الحرب الأهلية.
وتقول تركيا -التي تساند مقاتلي الجيش الوطني السوري الذين يسيطرون على مناطق في شمال محافظتي إدلب وحلب- إن تقدم قوات نظام دمشق ينتهك الاتفاقيات المبرمة مع روسيا.
بالمقابل، تتهم موسكو وحلفاؤها أنقرة بمخالفتها بنود اتفاق أستانا بسماحها لهيئة تحرير الشام -وهي تحالف مسلح يضم عناصر كانت متحالفة في السابق مع تنظيم القاعدة- بأن تظل مسيطرة على بقية مناطق المحافظة.
وفي خضم المعارك الدائرة، هناك حركة نزوح هائلة من إدلب التي تستضيف أصلا نحو مليوني شخص فروا إليها من أنحاء سوريا المختلفة.
وينقل موقع ميدل إيست آي عن فضل عبد الغني، مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن ما لا يقل عن 850 ألف شخص نزحوا إلى مناطق داخل محافظة إدلب في عام 2019.
استهداف المدنيين
وأضاف عبد الغني أن 72 شخصا قُتلوا في إدلب منذ التوقيع على أحدث اتفاق لوقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا والذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 12 يناير/كانون الثاني الجاري.
وأضاف عبد الغني أن 72 شخصا قُتلوا في إدلب منذ التوقيع على أحدث اتفاق لوقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا والذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 12 يناير/كانون الثاني الجاري.
ولمح الناشط الحقوقي في حديثه للموقع البريطاني إلى أن تركيا ربما انسحبت من اتفاق خفض التصعيد احتجاجا على استهداف قوات الحكومة السورية للمدنيين.
غير أن هارون الأسود أكد في تقريره أن المسؤولين الأتراك ما انفكوا يتعاملون مع نظرائهم الروس والسوريين. ونقل في هذا الصدد عن وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن مدير مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك التقى في 13 يناير/كانون الثاني الجاري رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان في موسكو، حيث طالبه بتنفيذ بنود الاتفاقية التي أُبرمت في منتجع سوتشي الروسي في 17 سبتمبر/أيلول 2018، من بينها البند الخاص بفتح الطريقين الرئيسيين أم 4 (حلب – اللاذقية) وأم 5 (حلب – حماة).
ويؤكد المسؤولون الأتراك الذين تحدثوا للموقع الإخباري البريطاني -شريطة عدم الكشف عن أسمائهم- أن أنقرة لا تزال تدعم بقدر الإمكان المعارضة السورية والمدنيين العالقين في ساحة الحرب.
هيمنة روسيا
لكنهم مع ذلك يقولون إن إصرار دمشق وموسكو على استعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، إلى جانب هيمنة روسيا على الأجواء السورية، يجعل إقامة أي منطقة آمنة أمرا مستحيلا من الناحية العملية، خاصة إذا تم ذلك دون مشاركة دولية أوسع.
لكنهم مع ذلك يقولون إن إصرار دمشق وموسكو على استعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، إلى جانب هيمنة روسيا على الأجواء السورية، يجعل إقامة أي منطقة آمنة أمرا مستحيلا من الناحية العملية، خاصة إذا تم ذلك دون مشاركة دولية أوسع.
ويردف المسؤولون الأتراك أن أنقرة لن تغامر بتعريض حياة جنودها للخطر من أجل طرد الجماعات الإسلامية المسلحة من إدلب أو لمواجهة قوات الحكومة السورية.
على أن محللين يرون أن مستقبل الوجود التركي في سوريا ومآلات علاقات أنقرة مع دمشق، قد تحكمها على الأرجح حسابات تتعلق بتحالفاتها مع روسيا وإيران، ومدى تحقيقها لأهدافها الإستراتيجية.
وفي ذلك يقول الباحث السياسي المختص في الشأن التركي منير نعيم، إنه لا يوجد في السياسة “عداء كامل أو صداقة مطلقة”، مضيفا أن تركيا يهمها في الأساس حماية مصالحها ومن ثم أن يكون لها دور في رسم مستقبل سوريا.
ويتابع نعيم القول إنه في حال تم التوصل إلى حل سياسي في سوريا يتطلب التقارب مع دمشق، فإن أنقرة لن تتردد في القيام بذلك.
ويمضي تقرير ميدل إيست آي إلى أن العديد من المقاتلين وجدوا أنفسهم أمام خيارين، إما التصالح مع قوات النظام السوري أو النزوح إلى شمال سوريا.
وفي إدلب، رفضت معظم الجماعات الإسلامية “المتشددة” كل الاتفاقيات المبرمة بين روسيا وتركيا، واعتبروها بمثابة استسلام.
وينوه منير نعيم بأن سوريا هي بوابة تركيا الاقتصادية إلى العالم العربي، وبخاصة منطقة الخليج العربي، مشيرا إلى أن أي حل سياسي للأزمة السورية لن يحصل بمعزل عن تركيا التي تسعى لتحسين علاقاتها مع “سوريا المستقبل”.
نقلا عن: الجزيرة