بدأ ترامب يدرك، متأخراً، أن الرئيس الكوري ليس ذلك الطفل الستاليني المعزول عن العالم الذي يعيش خلف الجدار الحديدي، وأخذ يستوعب أنه ليس بالمغامر الذي يتصرف بعقلية قطّاع الطرق، بل هو رجل مصمم على المشروع النووي، ولن يتراجع عنه بسهولة.
الرئيس الكوري متعدد الأسماء، ويحمل ثلاثة على الأقل، ولها ما يماثل ذلك من تواريخ الميلاد التي تتضارب، وتشير بعض التفاصيل القليلة المعروفة عن سيرته إلى أنه رجل لغز، بارع في لعبة التخفي، إلى حد أنه درس في سويسرا تحت اسم شخص آخر، ولم يكتشف أحد أنه حفيد الزعيم التاريخي كيم إيل سونغ، وورث الحكم عام 2011، قاطعاً الطريق على شقيقه الأكبر الذي اختفى في ظروف غامضة.
ومن مسار الأزمة يبدو أن الإدارة الأميركية لم تعط أهمية كبيرة للشخصية المركبة لهذا الحاكم الشاب، الذي وُلد في بلدٍ حوّله جده، كيم إيل سونغ، ووالده، كيم إيل جونغ، إلى مدرسة للرعب، ولم تأخذ في حسابها المعطيات التي تقدمه كطاغية مجنون مدمن على عمليات القتل التي ينفذها بفنتازيا مرضية، وإلى أي مكان يمكن أن يوصله هذا السلوك المنحرف، وربما ركنت إلى تصنيف أفعاله في خانة الابتزاز لا أكثر.
لا أحد يمكن أن يجزم بأن قرار التصعيد هو من بنات أفكار بيونغ يانغ، في ظل المساندة الصينية الروسية التي تصل حد التغطية التامة في مجلس الأمن من جهة، ومن جهة ثانية مساعدة كوريا على إبطال أي نوع من العقوبات قد تصل إلى حد فرض عزلة دولية عليها تجبرها على الركوع. وظهر من خلال جلسة مجلس الأمن، أمس، أن الصين ميالة إلى موقف بيونغ يانغ، من خلال دعوتها إلى التهدئة المتبادلة بين أميركا وكوريا الشمالية، الأمر الذي أزعج واشنطن، ووضعها في مواجهة مع بكين.
يواجه الرئيس الأميركي اختباراً صعباً، فالتهديد أولاً لا يشمل فقط حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وإنما يطاول الولايات المتحدة نفسها، وعلى وجه الخصوص غوام التي تستطيع صواريخ بيونغ ي-انغ وصولها.
يواجه ترامب أول أزمة فعلية على المستوى الخارجي تشكل امتحاناً لإدارته، ودور ونفوذ الولايات المتحدة في منطقة حيوية، وهي أزمة مفخخة، تلعب فيها الصين وروسيا دورا رئيسياً.