الانتصار الكبير والسريع الذي حققه المجاهدون السوريون في حلب، يعطي الثورة السورية زخما جديدا، كدنا نفقده قبل بضعة أيام، عندما روج الروس والإيرانيون ونظام الأسد، أن سيطرتهم على المدينة مسألة ساعات، وأن الثورة السورية وصلت إلى نهايتها ولم يبق سوى وضع الخاتمة لها لإغلاق هذا الملف، بل ذهب رئيس النظام الحاكم في سوريا إلى التنطع ودعوة الثوار إلى الاستسلام، وتسليم السلاح مقابل العفو، والإعلان عن فتح ممرات لخروج السكان من المدينة، وممر خاص للثوار “التائبين”.
كان الوضع في حلب صعبا للغاية، فالمدينة محاصرة بعد قطع شارع “الكاستيللو” الحيوي والذي يعتبر شريان الحياة للمدينة، إضافة إلى الطائرات الروسية وطائرات النظام الأسدي الذي تقذف المدينة بالقنابل العنقودية والفسفورية والبراميل المتفجرة، والميليشيات الإيرانية والعراقية وحزب الله التي لها عدد كبير من العناصر على الأرض، إلى جانب ما تقوم به أمريكا التي تقصف مقاتلي جبهة “فتح الشام” حول المدينة بالتنسيق مع الروس، والميليشيات الكردية المدعومة أمريكيا والتي تشارك في أطباق الخناق على المدينة مع كل هذا التحالف الآثم.
تحالف الشيطان الذي يريد إسقاط حلب يضم إيرانيين وأمريكيين وروس وعراقيين وحزب الله اللبناني وميليشيات الدفاع العلوية ومرتزقة من أفغانستان وباكستان.. اجتمعوا كلهم على صعيد واحد من أجل حسم المعركة وإنهائها بانتصار كبير على الشعب السوري وثورته.
المفاجأة الكبيرة هي سرعة انقضاض المجاهدين الثوار من “جيش الفتح” الذي يضم عددا كبيرا من الفصائل الإسلامية والوطنية السورية، وجبهة “فتح الشام” التي تخلت عن اسمها القديم “جبهة النصرة” وأنهت علاقتها مع القاعدة، هؤلاء الثوار المتحدون قرروا أن يقلبوا الموازين وأن ينتقلوا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، لأن خسارة حلب ليس كأي خسارة، فهذه المدينة المحملة بإرث تاريخي ثقيل، لها وزن يفوق كل المدن الأخرى باستثناء العاصمة دمشق، كما أنها العاصمة الاقتصادية لسوريا، وهي بوابة الشام إلى تركيا.
هذه المعطيات تجعل من هذه المدينة مسرحا حقيقيا لتتويج من يحكم سوريا، وهذا ما يجعل الصراع عليها مسالة وجودية “حياة أو موت”، وهو ما يفهمه النظام ومعه حلفاؤه الإيرانيون والروس، وما يفهمه الثوار أيضا، وهو ما دفعهم إلى الاستماتة في الدفاع عن حلب، واجتراح الحلول الإبداعية من أجل هزيمة المؤامرة الكبيرة على الثورة، والتي اتهم الثوار مبعوث الأمم المتحدة ديمستورا بالمشاركة بها.
لم يكن أحد يتوقع إحراز هذا الانتصار السريع والمباغت للمجاهدين الثوار، وهو انتصار أشبه بعملية “انقضاض” يشبه نظرية “الصدمة والترويع” الأمريكية الشهيرة، لأنه شكل حالة من الصدمة لنظام الأسد والروس والإيرانيين، وروع الميليشيات المقاتلة ما أدى هروبهم بطريقة مذلة ومخزية بعد أن قتل الثوار ما يقرب من 200 منهم، وهي خسارة فادحة لأنها حدثت خلال بضع ساعات، يضاف إلى ذلك قتلى حزب الله وإسقاط مروحية عسكرية روسية ومقتل 5 جنود كانوا على متنها، وما دمروه من دبابات ومدافع وحاملات جنود.
الأهم من ذلك أن الثوار أفشلوا المخطط الروسي – الأمريكي – الإيراني، بانتزاع المدينة منهم وتسليمها لنظام الأسد، بعد أن كشف وزير الخارجية الأمريكي، عن وجود تفاهم وتوافق مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، لتوجيه ضربات مشتركة لجبهة “فتح الشام” وتنسيق التحركات السياسية لفرض حل “أمريكي – روسي”، كما نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، لأن موسكو وواشنطن وطهران تريد كسر ظهر “فتح الشام” أو “جبهة النصرة” سابقا، وبالتالي كسر العمود الفقري للثورة السورية بتدمير الفصيل الأكثر تنظيما وفتكا في مواجهة ميليشيات الأسد وإيران.
الشرق القطرية