تلقي أزمة كورونا الأخيرة بظلالها الثقيلة على واقع التعليم في البلاد التي يعاني أهلها القصف والقمع والتشريد على يد النظام المجرم، وكما هي الحال في مختلف دول العالم، جرى تعليق الدراسة في المدارس واالجامعات في سوريا منذ شهر تقريباً، وذلك للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). وبين مناطق الشمال، ومناطق سيطرة النظام، تنوعت الأفكار والمقاربات والشكاوى حول استكمال العملية التعليمية لملايين الطلاب السوريين في مراحل التعليم المختلفة.
الحالة الاقتصادية تحكم
سميرة من ريف دمشق معلمة، توقفت عن العمل مع قرار إغلاق المدارس منتصف آذار الماضي، وقالت لبروكار برس: لا أعرف كيف يمكن لأهالي التلاميذ الذين كانوا يواجهون صعوبة في توفير مستلزمات أبنائهم الضرورية للتعليم التقليدي من دفاتر وأقلام ونحوها أن يؤمّنوا ما تطلبه الظروف الحالية من أجهزة ذكية أو حواسيب واتصال بشبكة الانترنت مع التكلفة المرتفعة لها.
أضافت سميرة: هناك معلمات ممن أعرف قمن بمبادرات فردية، من إنشاء مجموعات دراسية على تطبيقات الواتساب أو الفيسبوك، لتقديم شروح للمناهج أو حلول للتمارين وإجابة عن أسئلة الطلاب، ولكن أيضاً يواجهن صعوبات تقنية بسبب انقطاعات الكهرباء وبطء الانترنت، بالإضافة إلى ضعف اهتمام الأهالي.
نجوى، أم لطفلين في الصف الخامس والسابع، قالت: ما يواجهه الأهالي صعب جداً، لم نكن مستعدين لهذه الأزمة، وبالكاد نتدبر أحوالنا مع ارتفاع الأسعار والانقطاع عن العمل، إذ كان زوجي يعمل باليومية، ونعيش الآن ظروفاً قاسية، وأعترف أن موضوع تعليم أطفالي لا يلقى الكثير من اهتمامنا أنا ووزجي.
اضطراب التعليم في الشمال
كانت الحكومة المؤقتة في الشمال السوري قد أقرت حزمة من الإجراءات الاحترازية في مواجهة الوباء الجديد، منها إغلاق المدارس والجامعات. ومن أدلب حكت لنا هدى عن حال الدراسة هناك، وكيف تحول الجميع إلى التعليم عن بعد، تقول هدى: اتجه الجميع إلى الواتساب كونه الأسهل والأكثر شيوعاً، ولأن التطبيق لم يعد لهذا الغرض، فهو لن يحقق أهداف التعليم المرجوة، ويبقى أحسن من لا شيء، على حد تعبيرها.
نجاح نعمان، أخصائية اجتماعية ومعلمة من إدلب قالت لبروكار برس: لاحظنا تفاوت في تجاوب الطلاب والأهالي مع التعليم عن بعد مؤخراً، ففي الوقت الذي أثنى البعض على مواصلة الجهود لاستمرار التعليم، ومتابعة الدراسة عن طريق الانترنت، عبّر الكثيرون عن انزعاجهم من التجربة الجديدة، إذ أن نسبة كبيرة غير قادرة على تأمين أجهزة لأبنائهم، واضطرار أفراد الأسرة مشاركة جهاز أو جهازين، ما أثار المشكلات داخل الأسر.
وتصف نعمان التعليم عن بعد بالتجربة الجديدة التي تحتاج من الأهل متابعة وتشجيع أكبر لأبنائهم، وتتطلب جهداً إضافياً من الطالب والأهل للتعليم والمساعدة، وهنا تبرز الفروقات الفردية بين الأطفال، ولا يمكننا مطالبة الجميع بتحقيق مستويات ممتازة ومواصلة الدراسة في ظل غياب الإمكانات وسوء الظروف.
وعن نسبة الالتزام بالتعليم عن بعد، قالت نعمان: الحقيقة إننا بمرور الوقت نفقد المزيد من الطلاب، ونتوقّع أن لا يستمر من الطلاب معنا غير من يتوافر له تيار كهربائي وشبكة انترنت بصورة منتظمة، وهؤلاء ليسوا كثيرين بطبيعة الحال. وتعبر نعمان عن قلقها من ازدياد معدلات التسرب الدراسي مع هذه الأزمة.
وضع مختلف تماماً في المدارس الخاصة الحديثة
في دمشق، تحدث طارق عن تجربة أطفاله في الدراسة عبر الانترنت في ظل الظروف الأخيرة، وقال: تجربتنا مع المدارس الخاصة مختلفة تماماً عن ما يعيشه طلاب المدارس الحكومية، إذ يقوم أبنائي بمتابعة تحصيلهم عبر منصة خاصة بالمدرسة صممت لهذا الغرض، مع منح كل طالب حساباً إلكترونياً، حيث يقدم الطالب امتحانات ومراجعات وحلول الأسئلة ويتواصل مع المعلمين، كل ذلك عن طريق الأجهزة الالكترونية. وعن اختلاف التجربة والرضا عنها يقول: أرى أن الجدية والجهد المبذول مؤخراً يفوق بكثير ما كان قبل الوباء.. فعلاً التعليم الخاص أثبت مهنيّة ومسؤولية في هذه الأزمة.
وبالطبع لا تجد الغالبية العظمى من الأطفال في مناطق سيطرة النظام هكذا فرص، ولا زالت وزارة التعليم في حكومة النظام تتخبط وتدرس الحلول والمقترحات، مع الإغلاق الكامل للمدارس والجامعات منذ منتصف آذار/ مارس الماضي.
تخبط للنظام
كالعادة، شكلت حكومة النظام خلية أزمة بهذا الخصوص، وأعلنت وزارة التربية في الحكومة المذكورة على لسان وزيرها عماد موفق العزب أنه لن يتم تقديم الامتحانات عبر الانترنت، ولما تصل الوزارة بعد لآلية حول إنهاء هذا العام الدراسي، وذلك ليتم تقديمها لمجلس الوزراء.. وفق ما جاء في حديثه لإحدى الإذاعات الموالية في دمشق، قبل بضعة أيام. وجرى الحديث عن تقديم الدروس عبر قنوات تلفزيونية رسمية، كما أتاحت الوزارة المناهج التعليمية بصيغة الـ pdf عبر موقعها على شبكة الإنترنت، إلا أن الوصول إلى الإنترنت أصلاً ليس بوسع الكثيرين في البلاد التي تعصف بها الأزمات الاقتصادية منذ ما يزيد عن التسع سنوات جراء سياسة قمع النظام وحربه الوحشية على المدنيين في عموم البلاد.
الواقع التقني السيئ
مع تحول الناس للعمل من المنازل حول العالم، عادت إلى الواجهة التطبيقات المختلفة المخصصة لغرض الاجتماعات كزوم وغوغل هانغ آوت، وحول إمكانية استغلاها في العملية التعليمية في سوريا شرح لبروكار المهندس نصّار أبو زهرة والمختص في التعليم الإلكتروني: نتصدر قائمة أسوأ دول العالم في جودة الإنترنت، حيث تشير التقارير أن سوريا تجيئ في المركز الـ 195 على مستوى دول العالم من حيث سرعة الإنترنت. ورغم دخول التقنية الحديثة إلى البلاد، تتحدث الأرقام عن أن نسبة مستخدمي شبكة الإنترنت في عموم سوريا حول 30% فقط من مجموع السكان.. يكفي أن نعرف هذا لنأخذ صورة عن ما يمكن أن يكون شكل الدراسة (أون لاين) عندنا.
ويضيف أبو زهرة: تصطدم عملية التعليم عبر الإنترنت في سوريا بعقبات مختلفة، فمن جهة المؤسسات التعليمية، يتطلب اعتماد هكذا أساليب تمويلاً وجهوداً لإنشاء منصات تعليمية تراعي الضرورات التعليمية وتقدم خدمات التواصل والتقييم المستمرين للطلاب، أما من جهة الأهالي، فكلنا يعرف أن تأمين الأجهزة الحديثة للطلاب مكلف وغير ممكن للكثيرين، هذا غير حقيقة انقطاع التيار الكهربائي وضعف الإنترنت هنا.
كل المعطيات لا تبشر بالخير، ولعلّ الحل كما يرى الكثيرون، هو بالعمل في حدود الإمكان والتحلي بالصبر والمرونة، من أجل مواصلة التعليم الضروري لمستقبل سوريا.
نقلا عن: بروكار برس