هناك، حيثُ لا ترى الشمسَ أبصارُهم، ولا الدفء أجسادهم النحيلة، يقبعُ آلاف المظلومين، يقاسون مالا يقاسيه بشر، قتلٌ وتعذيبٌ وإهانة، قصص يرويها الناجون من تلك المعتقلات، علّ ذكرها يلقى اهتماماً وموقفاً حازماً من مدّعي الإنسانية.
لا تختلف أحوال المعتقلات في سوريا بين الأسد الأب والابن، فهذا السفاحُ من ذاك المجرم، فمن قتل الآلاف في حماة، واعتقل عشرات الآلاف، لن يأتي ابنه ليصبح ملائكياً على شعبه خلفاً لوالده.
“عبد الرحمن” أحد معتقلي سجن تدمر منذ ثمانينات القرن الماضي. خرج مؤخراً خلال سنوات الثورة السورية الأولى، يروي قصصاً لا يتقبلها المنطق أو يستوعبها العقل.
يقول: ” اعتقلت بسبب التزامي المسجد، كانوا يعتقلون كل ملتزم بالمسجد والصلاة وحضور حلقات العلم، اعتقلوني في تموز 1981، ورأيت أهوالاً وتعذيباً لم يخطر على بالي، أين فرعون منهم؟”
“كان التعذيب في سجن تدمر ممنهجاً، تُضْربُ وأنت داخل أو خارج، يأخذونك وأنت تضرب وبالعودة كذلك، كانوا يحاربوننا في كل شيء، الطعام ملوث والماء شبه معدوم، كانوا يجبروننا على تناول الطعام الملوث بفضلاتهم النتنة”
سجون الأسد الابن تكرر مسيرة والده
لم تختلف الصورة عما كانت عليه في عهد حافظ، لكنها اليوم أضخم وأكثر بشاعة، فمع ساعات الثورة الأولى، كشف نظام الأسد عن وحشيته مع المعتقلين، عندما مزق وشوه جسد الطفل “حمزة الخطيب” في درعا لمجرد كتابته كلمة “حرية” على أحد الجدران.
ومن أكبر الدلائل على وحشيتهم، صور “قيصر” التي كشفت عام 2014، مظهرةً صور 11 ألف ضحية قضوا تحت التعذيب في معتقلات الأسد حتى ذلك الحين فقط، ولايزال عشرات الآلاف يواجهون المصير ذاته.
“خالد” أربع سنوات قضاها في الأفرع الأمنية بدمشق، ليخرج بمعجزة من هناك بعد إصابته بداء السل وأوبئة عدّة، وبين الدولاب وصعق الكهرباء والشبح عشرات القصص التعذيبية ذاقها بصحبة رفاقه المعتقلين.
يروي خالد والدمع يسيل من عينيه كما المطر “ناهيك عن التعذيب الجسدي، فهذا شيء تعودنا عليه في المعتقل، هناك تعذيب أكبر، تعذيب النفس وإذلالها، تعذيب موت الرفاق بين أحضانك ألماً وجوعاً وأنت لا تستطيع فعل شيء”.
يكمل خالد “كنت أحمل أحد رفاقي المقعدين لأخرجه لقضاء حاجته، في الطريق إلى الحمام، هناك سجانون ينهالون بالضرب علينا طيلة الطريق، بدأوا بالضرب حتى استشهد رفيقي المقعد”
لم يقف السجانون عند تلك الحدود، فسياساتهم عديدة، منها رمي البشر أحياءً في غرفة مليئة بالجثث المتعفنة، يبقون على هذا الحال حتى يأكل الدود أجسادهم، ومنها أيضاً إطعام المساجين طعاماً ملوثا بدماء رفقائهم المعتقلين، والكثير الكثير من قصص التعذيب داخل أفرع نظام فاق بسطوته وظلمه كل جلادي العالم.
ولليوم، أكثر من 130 ألف معتقل في سجون النظام يقاسون شتى أنواع العذاب، قتل منهم 14 ألفاً موثقين، مع وجود الآلاف مغيبين قسرياً مجهولي المصير.
والسؤال: هل سيتحرك ضمير العالم النائم؟
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع
إبراهيم الخطيب