قالت مجلة تايم (Time) الأميركية إن الأمر استغرق زهاء عام من إراقة الدماء لتدرك الصين اليوم أن الحرب في أوكرانيا تمثل معضلة كبيرة، وهو ما يجعلها ترغب في الاضطلاع بدور مهم لوضع حد لها.
وأضافت أن تلك كانت الرسالة التي وجهها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وانغ يي، إلى القادة الأوروبيين في مؤتمر ميونخ للأمن يوم السبت الماضي.
غير أن الصعوبة تكمن، بطبيعة الحال، وفق تقرير المجلة الأميركية، في أن وانغ لا يقترح أخذ المسافة الأقصر التي من شأنها أن تجعل بكين توقف دعمها المالي والسياسي لآلة حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعوضا عن ذلك، غامر بخطة سلام “ضبابية” تلعب فيها الصين دور الوسيط بين الأطراف المتحاربة، لكنه يستبطن “نقدا رقيقا” للولايات المتحدة.
محادثات سلام؟
ونقلت المجلة عن وانغ القول إن “بعض القوى قد لا ترغب في أن ترى محادثات سلام تتحقق.. إنهم لا يهتمون بحياة الأوكرانيين وموتهم، ولا بالضرر الذي يلحق بأوروبا. ربما لديهم أهداف إستراتيجية أكبر من أوكرانيا نفسها”.
وتتساءل تايم في تقريرها الذي أعده مراسلها لشؤون شرق آسيا في سنغافورة، شارلي كامبل، عن الأسباب التي تدعو الصين لإطلاق مبادرتها للسلام الآن.
وتستقرئ المجلة -في معرض إجابتها عن السؤال- جانبا من تعاطي بكين مع أحداث مماثلة في التاريخ الحديث، حيث تعاملت بحذر وتحفظ إزاء التدخل في النزاعات البعيدة.
وقد يكون انخراطها في نزاع أوكرانيا الآن نابعا -برأي المجلة- فقط من رغبتها في البقاء على صلة بما يجري هناك.
وربما يكون هناك دافع آخر لانخراط بكين، وهو أن روسيا تخسر الحرب. فمن جهة نظر الصين، أن إحراز بوتين انتصارا سريعا من شأنه أن يكون بمثابة صفعة على وجه الولايات المتحدة مع التأكيد على عجز الغرب.
فراغ سياسي
لكن الصراع الذي طال أمده حفز الاتحاد الأوروبي، وأعاد الحياة مجددا لحلف شمال الأطلسي (ناتو). وكلما استمر القتال لفترة أطول، زاد احتمال أن تعجز روسيا عن الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها، مما ينذر باضمحلال مجال نفوذها في آسيا الوسطى.
وتنقل تايم عن فيكتور شيه، الخبير في السياسة الصينية بجامعة كاليفورنيا، القول “إن الفراغ السياسي على طول الحدود الشمالية للصين سيشكل تهديدا أمنيا بالغ الخطورة” لبكين.
على أن السؤال الأكبر الذي لا يزال معلقا حول ما إذا كانت الصين تملك المقدرة الدبلوماسية لتقديم حل يكون مقبولا لطرفي الحرب. صحيح أن لبكين القليل جدا من الخبرة في التوسط في صفقات السلام، وأن دوافعها كشريك إستراتيجي رئيسي لروسيا تظل محل شك كبير، إذ انتفعت من الحرب من خلال شراء الموارد الطبيعية الروسية بسعر منخفض.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا رحب بحذر بخطة وانغ، فإن الرئيس فولوديمير زيلينسكي ما برح يستبعد تسوية تقضي بتنازل بلاده عن أي أراض احتلها بوتين.
ويقترح فيكتور جاو، مدير الرابطة الوطنية الصينية للدراسات الدولية والمتحدث الرسمي باسم الحكومة الصينية، من جانبه أن تكون البداية المحتملة لأي تسوية هدنة على طول خطوط القتال الحالية.
ثمة دافع آخر وراء إقدام الصين على طرح مبادرتها للسلام، وهو دق إسفين بين كييف وحلفائها الغربيين، حسب زعم المجلة الأميركية التي ترى أن خطاب وانغ في مؤتمر ميونخ للأمن لا يعدو أن يكون “تمويها محتملا” تخفي وراءه بكين دعمها لموسكو، ويتيح لها مجالا لتقديم نفسها على أنها “صاحبة مصلحة مسؤولة”، في حين تكثف واشنطن مد كييف بالأسلحة.
وتختم تايم تقريرها، مستشهدة برأي جوناثان سوليفان مدير برامج الصين في معهد آسيا للأبحاث بجامعة نوتنغهام البريطانية، بأن فكرة محادثات السلام الصينية قد يرفضها الغرب بشكل قاطع.