المركز الصحفي السوري
علي الحاج أحمد 15/2/2015
من المعروف أنّ الحرب لا تمرّ مرور الكرام على الأطفال، بل إنّها تثير في أذهانهم العديد من الأسئلة المستعصية وتزرع الخوف والقلق، ويكون التّعامل مع الأطفال الّذين شاهدوا تأثير الحرب على ذويهم أصعب بكثير، وكلنا يعرف أن الأزمة السورية قد حملت في طيّاتها ما حملته من دمار وقتل وتشويه، لكن هل فكّرتم يوماً بتأثير هذه الأزمة والحروب والقتل على الأطفال؟ إن ما يتناقله أطفال سوريا من أحاديث، حيث تدلّ كل كلمة منها على تأثير الحرب على نفسيّتهم، فهم يعيشون في حالة رعب دائمة جرّاء مشاهد العنف التي حفظتها ذاكرتهم.
إن الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات لها تأثيرات مدمّرة على الأطفال، 1.2 مليون طفل على الأقل فرّوا من الصراع وأصبحوا لاجئين في الدول المجاورة، في حين أن 4.3 مليون طفل آخرين داخل سوريا يحتاجون لمساعدات إنسانية.
ولقد حذر تقرير للأمم المتحدة أن الأطفال السوريين اللاجئين يواجهون مستقبلا مظلما ويدفعون ثمنا باهظا للحرب الدموية الدائرة في بلادهم إذا يجبرون على هجر الدراسة والعمل لمساعدة أسرهم كما تجند الجماعات المسلحة بعضهم للانضمام إلى صفوفها.
وذكرت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها أن الكثير من الأطفال يعانون من الاضطرابات النفسية بسبب الحرب ولا يلتحقون بالمدارس، كما أن أطفالا صغارا يعملون لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة أو مجانا، في ظل الاستغلال والظروف الخطرة.
وقال فولكر تيرك مدير إدارة الحماية الدولية بالمفوضية: “أحد المعطيات الواضحة للتقرير هو الاضطراب النفسي الذي يعاني منه الأطفال ويتجلى هذا في الانطواء ونوبات الغضب لذا توجد حاجة هائلة لتوفير الدعم النفسي الاجتماعي.”
وكانت الأمم المتحدة ومنظمات انسانية طالبت بتحييد الأطفال عن أعمال العنف، وضمان بقائهم بمنأى عن الأزمات، مشيرة إلى أن الأطفال هم الشريحة الأكثر تضررا من الأزمات الأمر الذي يتطلب حشد جهود كبيرة لحمايتهم وتجنيبهم انعكاساتها السلبية، في حين أوردت منظمات في تقرير لمجلس الأمن أن أطفالا يستخدمون كـ”دروع بشرية” في المواجهات بين طرفي النزاع في سوريا.
يبين الاختصاصيون التربيون أنّ الطّفل يعبّر عن خوفه وقلقه بأسئلة، فهي تعمل على تهدئته وتعيد إليه الشّعور بالأمان، فمن الضّروري استغلال هذه النّقطة وفتح حوار معه ليطلق العنان للمشاعر الدّفينة في داخله، وتوجيهها توجيهاً صحيحاً مع إيضاح بسيط للموقف الّذي شاهده أو تعرض له مع تّأكيد عدم ترك الأطفال وحدهم يشاهدون المجازر الّتي تُعرض يومياً على شاشات التّلفاز، فهذه اللّحظات هي من أهم اللّحظات في حياة الطّفل، فإذا ترك وحده فسيزداد أثرها السّلبي في داخله على المدى القريب والبعيد.
كما أن لسلوك الوالدين أمام أطفالهم دور كبير في زيادة القلق لديهم أو التّخفيف منه، فمن الضّروري أن يبذل الوالدان جهدهما في المحافظة على هدوئهما والعمل على تلطيف الأجواء وعدم إظهار مخاوفهما من الحرب، وعوضاً عن ذلك التّحلي بالتّفاؤل والأمل بزوال الحرب، وأن يعبّرا عن قدرة الشّعب السّوريّ على تجاوز الأزمة.
ولكي نتمكن من زرع أفكار إيجابية في قلوب أطفالنا، يقترح الاختصاصيون ألاّ نمنعهم من الحركة، لما لها من أثر إيجابي في التّخفيف من حدّة القلق، فاللّعب خارج المنزل كفيل بتفريغ الشّحنات السّلبية الّتي تراكمت في نفوس الأطفال إثر سماعهم خبراً سيئاً.
كما أنّ العودة إلى المدرسة وانكباب الأطفال والفتية والشّبيبة على الدّراسة يشغل بالهم بالدّروس، ويبعدهم عن التّفكير بالأحداث ومجرياتها، ومن الضّروري أن تهتم المدارس بزيادة حصص الأنشطة لتفسح مجالاً للفتية والشبيبة للتعبير عن مخاوفهم بطريقة صحيحة وإيجابية وبإشراف من المختصين.
وبدورها، تؤكد الأخصائية في الطب النفسي ليلى الشريف أن ما يوازي في الخطورة يتمثل أيضا في تشكل “أزمة هوية” ستكون سمة من سمات سورية في زمن الحرب وما بعدها، خصوصا لدى “المراهقين” الذين سبق وتلقوا علوما مدرسية رسمية، وعليهم الآن التكيّف مع واقع جديد وحقائق جديدة، وتضيف أنه يمكن لمنهجين أن يتغيّرا في ظرف سنة بين نقيضين، كما أن تصرف الأطفال وسلوكهم العدواني بات واضحاً للجميع، حيث ينشأ هذا الجيل بين مشاهد الأشخاص المصلوبين والرؤوس المعلقة في الساحات العامة.
إنّ الواقع المرير الذي تعيشه سوريا يتطلب منا العمل المكثف لبناء جيل المستقبل، ويبقى أملنا كبير بجيل الغد.