ياسر الزعاترة – عربي 21
منذ تدخلها ضد ثورة الشعب السوري؛ لم تتوقف إيران وأدواتها عن تبرير ذلك التدخل بأشكال شتى، وانضم إليهم مؤدلجون حزبيون، وطائفيون؛ تحوّل بعضهم بقدرة قادر إلى ممانع، لكن ذلك كله بقي عاجزا عن التبرير، أمام جملة الوقائع والحقائق التي لا ينكرها عقل ولا منطق، فضلا عن ضمير حي.
وإذا جئنا نوصّف حكاية إيران الراهنة مع أمريكا والكيان الصهيوني، فسنعثر على مشابه لها تماما في حكاية صدام حسين مع ذات العدوّين، مع فارق أن مشروع الأول كان قوميا عروبيا، فيما كان المشروع الآخر طائفيا بامتياز، وإن حاول إخفاء ذلك بخطابات غير مقنعة؛ ما تلبث أن تختفي وراء شعارات “يا حسين”، ولن “تُسبى زينب مرتين”، وما شابه.
كان لصدام مشروعه لبناء قوة في مواجهة الكيان الصهيوني، وكان مشروعا حقيقيا، تمثّل في المشروع النووي ومعه مشروع الصواريخ الباليستية، الأمر الذي يذكّر بالمشروع النووي الإيراني ومشروع الصواريخ المشابه أيضا.
وفي حين واجه الصهاينة مشروع صدام النووي بالتدمير المباشر (تموز 1981)، لم يفعلوا ذات الشي مع المشروع النووي الإيراني، وبقيت التهديدات حبرا على ورق.
طارد الصهاينة بعد ذلك مشروع صدام الكيماوي، ومن ثم الصاروخي؛ ومن ضمن ذلك العلماء، تماما كما فعلوا مع المشروع الإيراني، بجانب العقوبات التي استخدمت في الحالتين، وكانت أكثر حدة في الحالة العراقية.
جاءت ضربة المشروع النووي العراقي، وهذا لافت بالطبع بعد أقل من عام على بدء الحرب الإيرانية العراقية، ما يؤكد أن الصهاينة لم يكونوا يفرّقون بين العدوين حين يتعلق الأمر بكسر ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، بل يطاردون أي محاولة لكسر ذلك الميزان من قبل أي طرف آخر، بما في ذلك مصر التي ستدخل بعد ذلك مسار كامب ديفيد.
هنا تتبدى معادلة بالغة الأهمية، فالإيرانيون بمشروعهم الطائفي كانوا يقدمون عداء صدام حسين على عداء المشروع الصهيوني
وضمن هذه الخلفية كان التعاون في مراحل شتى ضده، إن كان مع الأمريكان، أم مع الصهاينة أنفسهم، والوقائع على هذا الصعيد كثيرة ومعروفة للجميع.
انتهت الحرب العراقية الإيرانية، عام 1988، وبدأ كلا الطرفين العراقي والإيراني، مشروعهما لبناء القوة العسكرية (الكيماوية والصاروخية في حالة صدام، والنووية والصاروخية في حالة إيران)، لكن أولوية الصهاينة كانت العراق، وحانت الفرصة بعد تورّطه في احتلال الكويت، واستمر مسلسل العقوبات الذي كان أسوأ من عقوبات إيران، وصولا إلى الغزو (2003) الذي تعاون معه الإيرانيون على نحو من الأنحاء، ثم أسفروا عن تعاونهم أكثر عبر القوى الشيعية المتحالفة معهم.
كان العرب السنّة قد ذهبوا في اتجاه المقاومة، بينما تحالفت القوى التابعة لإيران مع الأمريكان، وكل ذلك بتبرير من إيران ومن أتباعها؛ كما حزب الله وزعيمه نصر الله، الأمر الذي تسامح معه المؤدلجون إياهم من يساريين وقوميين رغم تأييدهم للمقاومة العراقية.
هنا تنشأ مقارنة أخرى بين صدام وبين بشار، تبدو ضرورية لنسف حكاية المقاومة والممانعة، وفضح جوهرها الطائفي. فصدام كان أكثر تعرّضا للاستهداف من الصهاينة والأمريكان بكثير إذا قارناه بنظام آل الأسد. أما من حيث جوهر النظام داخليا، فكان كل منهما بوليسيا إلى حد كبير.
وفي حين لم يكن جوهر نظام صدام قبل بروز العامل الإيراني (الشيعي) طائفيا، بل قوميا بعثيا بالفعل؛ كان نظام آل الأسد طائفيا بامتياز منذ البداية، لا سيما أنه يمثل أقلية لا تزيد عن عُشر السكان، فيما لا يقلّ العرب السنّة في العراق عن ثلث السكان، سيصبحون النصف إذا أضفنا إليهم الأكراد (السنّة).
في العلاقة مع فلسطين، كان صدام حاسما في العلاقة مع الصهاينة، بل إن مبادرته بمنح مبلغ كبير من المال لعائلة كل استشهادي في انتفاضة الأقصى (أيلول 2000) مثّلت الاستفزاز الأكبر الذي صعّد الموقف ضده.
كل هذه المقارنات والتواريخ لا تؤكد غير شيء واحد هو أن المشروع الإيراني كان في جوهره مشروعا طائفيا لا صلة له بالمقاومة والممانعة التي يبشّر بها بعض المؤدلجين.
وحين تدخل لصالح بشار، لم يتدخل على أساس مقاومة وممانعة، بل على أساس طائفي، لأن ثورة الشعب السوري لم تكن طائفية، بل كانت جزءا لا يتجزأ من الربيع العربي الذي كان سيحرم الصهاينة من سياج الحماية الرسمي العربي الذي سيتركهم عراة لو تواصل وفق ما كان مأمولا منه، لولا دخول المأزق في سوريا، وصولا إلى تفجير الثورة المضادة لمشروعها الذي طارد الربيع العربي في كل مكان، بل أرهقه في سوريا ذاتها.
وهنا يعلم الجميع أن النظام كان على وشك السقوط، ومن حمته هي ذاتها المنظومة الحامية للكيان الصهيوني، وغرفة “الموك” ومن أداروها؛ مع الضغط على الجميع لمنع السلاح النوعي عن الثوار أكبر دليل على ذلك، الأمر الذي يغطيه المؤدلجون بحكايات سخيفة عن دعم “الثوار”، أو علاج بعضهم في مستشفيات صهيونية، وهم يدركون الحقيقة تمام الإدراك، ممثلة في أن الصهاينة إنما أرادوا سوريا ثقبا أسود يستنزف الجميع، من دون إسقاط النظام، وتقبّلوا على هذا الأساس التدخل الروسي بكل رحابة صدر.
نستعيد هذه التواريخ من جديد كي نؤكد المؤكد، ممثلا في أن مشروع محافظي إيران ليس مشروعا مقاوما ولا ممانعا
بل هو مشروع طائفي عينه على استعادة ثارات التاريخ، وما فلسطين سوى جزء من أجزاء الدعاية، الأمر الذي لم يعد ينطلي على الغالبية الساحقة من الأمة بعد ما جرى في العراق وسوريا واليمن، ومن ضمن ذلك ما جرى ويجري في لبنان أيضا.