“بين كل نبضةٍ وأخرى، انطق اسم والدي في قلبي، وأحلم بتقبيل جبهته والنظر لعيونٍ فارقتنا، ولا أعلم إن كانت ستعود تلك النظرات أم لا”
هل يمكن أن تصادر أملاكك دون علمك، كيف يؤثر قانون الإرهاب على المتهمين وعوائلهم؟؟
فرح، ذات 23 ربيعاً، فتاةٌ غلب القهر والحزن ملامح وجهها، حتى صار السواد يغطي كالليل عينيها البنيتين، فمآسٍ كثيرة ٌتركت بصماتها في نفس فرح، بين إعالتها لأطفالها الثلاثةِ بعد وفاة زوجها، وشوقها لوالدها المعتقل في سجون النظام منذ قرابة ال9 سنوات.
تقول فرح ” مع بداية الثورة والمشاكل وانشقاق العساكر من صفوف نظام الأسد، داهمت قوات النظام منتصف الليل منزلنا للبحث عن المنشقين، انتاب أبي القلق والخوف علينا، ضمّنا بحنانٍ وقوة، لا تقلقوا فأنا معكم، خرجنا من المنزل، إلى منزل أختي، عسانا نجد قليلاً من الأمان والراحة من مداهمات قوات النظام الوحشية”.
تجهش فرح بالبكاء، حتى كادت عيناها تنفجران..، اعتقلوا والدي في أواخر أيام رمضان ومع تجهيزات العيد، سرقوا منا فرحة العيد وبهجته، وعمادَ المنزل وقوامه.
” أثناء ذهاب والدي لعمله اعتقلته قوات الأمن السياسي، هكذا أخبرنا صديقه وقتها، وعند سؤال صديق والدي عن أبي، قيل له أنه اعتقل بحجة تشابه أسماء، وها هو يدخل عامه التاسع خلف غياهب المعتقل، هل ياترى تشابه الأسماء يستحق كل هذا!!؟”
خطف الاعتقال والد فرح وهي بعمر ال ١٥ عاماً، وبعد بحثٍ طويلٍ اختفى في السجون المظلمة دون ذنبٍ أو تهمةٍ، تكمل فرح ” بعد سنةٍ من فقدانه وقبل زواجي بأيام وصلتنا رسالة منه بعد نقله للمشفى العسكري كانت أول وآخر رسالة له، لنفقده ثانية”.
تسترسل في حديثها قائلةً: “تزوجت وأنجبت أطفالي الثلاثة وتوفي زوجي، إلا أن خيالي يأخذني لأبي وهو يلاعب أطفالي ويشاركني الكثير من التفاصيل، كان دوماً يعاملنا بدلالٍ، لم يزرع الحزن يوماً في عينينا بل يبدل دموعنا ضحكات، أفنى حياته لأجلنا’.
” أحسست بفقده عندما بدأت أواجه مشاكل الحياة بنفسي مع مواقف أعلم أنه لو كان موجوداً لتبدل الحال كثيراً، افترقنا بعده والحزن خيّم على حياتنا ولم يبقَ إلا ذكريات صورٍ ونزوحٍ وهمومٍ تصحبنا”.
تمضي فرح أيامها مع أطفالها وحيدةً في بلاد النزوح شمال إدلب، بعد هجرتهم من مدينة حلب، يصحبها في هجرتها تلك، مشاعر الحنين والفقد والمكافحة مع الصبر، حالها حال الكثيرات ممن عانينَ وخسرنَ خلال سنوات الحرب السورية، لتبقى شاهدةً من شواهد المعاناة التي خلفتها تلك الحرب.
فاطمة براء
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع