المكان مظلم، أصوات مرعبة تناديني من كل مكان، أشخاص يرتدون وشاح أبيض يقتربون مني، أحدهم يمسك برقبتي ليخنقني و آخر يذبحني، دمائي تسيل لأستيقظ بفزع و صراخ فتنهال علي ضربات أحمد من كل جنب وطرف، ويضع يده على فمي، أخرسي أخرسي، ما بك هل جننت .!؟
_نعم جننت يا أحمد يا ليتك تعرف كم أنني مجنونة بحبك لأتحمل منك كل هذا الظلم .
تقول إيثار ( اسم مستعار ) كنت طفلة بعمر 14 عاما، عندما تحولت أحلامي لفستان أبيض بعد أن كانت آمالي في إكمال تعليمي ودخول الجامعة بسبب شاب تقدم لخطبتي ثم تركني، و كأي فتاة تفسخ خطوبتها، بدأ الناس يطعنون بي ويشوهون سمعتي بقولهم (ما العيب الذي فيها ليتركها..؟؟) فالرجل على حد قولهم لا يعيبه شيء، اغتالوا طفولتي بتلك الكلمات، فقدت ثقتي بنفسي وظننت أنني سلعةً غير صالحة، حتى تمنيت الموت .
ثم عدت لمدرستي لكن الحلم تغير كما التفكير، وبعد مرور سنة تقدم لخطبتي أحمد (اسم مستعار) كان مقيم خارج البلد في دولة ما، و عندما رأيت صورته وتكلمت معه أحببته وتمت الخطبة وبت أتكلم معه ليلاً ونهاراً لمدة سنة لأتعلق به أكثر فأكثر، و بدأت ارسم أحلامي الوردية .. حياة بسيطة مبنية على الحب، ثم أتى لسوريا ليتم عقد القران و يأخذني معه و فعلا تم .
رغم أنني حرمت الفستان الأبيض بسبب القصف و احتراما للشهداء من ذوي أحمد إلا أنني كنت سعيدة فقد كان أحمد كل أحلامي وكل ما أحب لأترك أهلي و بلدي لأجله، لم أدرك حينها أنني سأفارق أهلي لسنوات لم أدرك حينها معنى الزواج ولا معنى العيش في الغربة بلا سند، لم أكن أدرك أنني سأبيت ليالٍ باكية مكسورة أضمد جراحي بلا أب يحمي ولا أم تعطف، تحولت أحلامي الوردية لكوابيسٍ مأساوية، و تحول فارسها لجلادها، لأصبح بعين زرقاء متورمة وأمسي بآثار حروق السجائر على جسدي، لم يتجاوز حلمي سوى أن يبادلني المحبة واللطف، حاولت مراراً أن أرضيه، مهما فعل ألبيه قبل أن يطلب .
ذات مرة عاد من عمله ليجد الطعام جاهز وبسبب نقصان الملح في الشوربة، سكبها فوق رأسي ليحترق وجهي مع السب والشتائم و الكفر و كان عليّ أن أكتم ألمي وأنظف المكان و أعد الطعام من جديد مع الاعتذار .. ففعلت، ومثل هذا الموقف يتكرر يومياً تعنيف وشتائم وتهديد بالطلاق لأتفه الأسباب .
فكرت أن لو أنجبت سيتحسن الوضع
فأنجبت طفلي الأول، فملأ حياتي وحياته، لكن الوضع لم يتحسن بل زاد سوءً، ثم أنجبت الثاني والثالث والوضع يزداد سواء .
وبت أحترق بين نارين إما الاستمرار و كتم آلامي بقهرٍ وذل، وإما حرمان أطفالي الثلاثة وتركهم للضياع ما زال صوت أبي يرن في أذني .
_يا ابنتي أنا لا أعرف أحمد جيدا كيف أعطيه إياك للغربة
_فأجبته أنا أعرفه يا أبي .
والآن لا شكوى إلا لله لم أستطيع البوح لأهلي فلا حيلة لديهم وهمومهم تكفيهم فهم في خضم الحرب، لم ولن أنسى عندما ضربني و أنا ساجدة أشكو بثي وحزني إلى الله .
في شهر رمضان المبارك عندما اتصل بي ليطلب أن أعد له فطائر، فأجبته لم يتبقى وقت و أنا أعد أربعة أنواع من الطعام لن أستطيع إعدادها اليوم غدا أعدها لك، فأتى مسرعاً للبيت لينهال علي ضرباً بكل قسوة و يسكب بعض الطعام فوق رأسي ويعود لعمله، فأمسي مقهورة مذلولة لم تكن ضرباته تؤلمني بقدر ما تؤلمني سكاكين الخيبة التي تغرز في قلب محب مكسور يعود عند أذان المغرب ليجد أنني نظفت المكان وأعددت الطعام فأقدمه له ثم أدخل غرفتي لأصلي المغرب، سجدت ولم أستطع النهوض، فالقلب مليء والروح منهكة مثقلة لم تسعفني كلماتي لأبوح فأسعفني أنيني الذي يقول يالله أنت تعلم كل شيء ولا حيلة لي للدعاء .
ثم ينفتح الباب بقوة ويلتصق بالحائط
ليرفسني أحمد برجله على خاصرتي و أنا ساجدة فيطرحني أرضا و ينهال علي
ضربا اخرسي اخرسي، و هكذا كنت ضحية أحلامي، ماذا عليّ أن أقول بعد، فمأساتي لا نهاية لها .. يكفي يكفي .
لم تكن إيثار الفتاة المعنفة الوحيدة، فقضية العنف فاقت الأوبئة انتشارا، صمت و تجاهل عن تلك المآسي دام كثيرا .. حتى ظنت النساء أن العنف ضدهن سنّة الحياة .
سيدرة الفردوسي
المركز الصحفي السوري